50 مليون إنسان بلا حريّة.. ماذا يحمل مشروع مكافحة العبودية المعاصرة أمام مجلس حقوق الإنسان؟
50 مليون إنسان بلا حريّة.. ماذا يحمل مشروع مكافحة العبودية المعاصرة أمام مجلس حقوق الإنسان؟
قدَّمت المملكة المتحدة باسم المجموعة الأساسية مشروع القرار L.8 أمام الدورة الستين لمجلس حقوق الإنسان في جنيف، مؤكِّدة أن نحو خمسين مليون شخص يعيشون في حالات عبودية معاصرة، وأن القرار يضع خطوة تاريخية بدمج ولايتي مقرَّرين خاصين قائمتين في ولاية واحدة موحّدة لمعالجة العبودية والاتجار المتداخِلَين.
نصّ بيان الوفد البريطاني يقدّم هذا الدمج وسيلة لتعزيز كفاءة استجابة المجلس للتحديات المعقّدة المتصلبة في هذا المجال، مع شكر واضح للمفوضية السامية لحقوق الإنسان.
حجم المشكلة وتطوّرها
تستند الأرقام المرجعية التي تناولها الخطاب إلى التقديرات الدولية الأخيرة التي تشير إلى أن نحو خمسين مليون شخص عاشوا في عبودية معاصرة في السنوات الأخيرة، منهم ملايين في أوضاع عمل قسري وداخل زيجات قسرية، في حين تستمرّ تقارير المنظمات الدولية في رصد ارتفاع أعداد الضحايا وأرباح منظّمات الاستغلال غير المشروعة.
وتشير بيانات منظّمات مثل مكتب العمل الدولي ومراكز البحث المتكاملة إلى أن عدد الأشخاص المحاصرين في العمل القسري يناهز العشرات من ملايين البشر، وأن العائدات غير القانونية من استغلال العمل القسري وصلت إلى مئات المليارات سنوياً، كما سجل مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدّرات والجريمة زيادة في عدد ضحايا الاتجار المكتشَفين خلال السنوات الأخيرة، مع ارتفاع ملحوظ في نسبة الأطفال بينهم "International Labour Organization".
لماذا دمج الولايتين؟
المبرّر الذي قدّمته المجموعة الأساسية أمام مجلس حقوق الإنسان يقوم على أنّ مظاهر العبودية والاتجار تربطها تداخلات عملية وقانونية منها أن الضحايا يتنقّلون بين أشكال الاستغلال، ومسارات الجرائم مرتبطة بعاملَي سوق الطلب والصلات عبر الحدود وسلاسل التوريد، ومن هذا المنطلق يرى مقدِّمو مشروع L.8 أن توحيد الولايتين يوفر مقاربة أكثر تكاملاً ويقلّص ازدواجية العمل الرقابي والتقني داخل آليات المجلس، ويتيح توجيه موارد خبراء الأمم المتحدة بصورة موحّدة لتتبُّع أسباب الانتهاكات وتنسيق التوصيات لجهات التطبيق الوطنية والدولية وفق موقع الحكومة البريطانية.
يمكن أن يسهم الدمج عمومًا في وضع رؤية استراتيجية واحدة، وتسهيل تبادل المعلومات بين جهات التحقيق الدولية، وربط عمل الحماية بالقضايا الاقتصادية والمالية، لكن باحثين ومؤسسات حقوقية سبق أن نبّهوا إلى مخاطر محتملة، فقد يؤدي توحيد الصلاحيات إلى إضعاف التركيز المتخصّص الذي تستدعيه مسائل تتعلق بالاستغلال الجنسي للنساء والأطفال أو بجرائم الاتجار العابرة للحدود، كما قد تُهمل احتياجات رئيسية مثل التدابير الخاصّة بحماية الطفولة ما لم تُحدَّد آليات تنفيذ ملائمة، وقد دعت دراسات برلمانية وأوراق خبراء إلى ضرورة وضوح تعريفي تشاركي ورصانة منهجية لضمان أن أي تغيير مؤسسي لا يطغى على مراعاة التمييز بين الأشكال المختلفة للاستغلال.
الاستجابات الدولية
لم تصدر بعد بيانات موحَّدة من كل المنظمات بشأن مشروع L.8 تحديداً، إلا أن جهات فاعلة عالمية مثل مؤسسات البحث المناهضة للعبودية والمنظمات الحقوقية الكبرى دأبت على المطالبة بآليات عمل أممية، وتمويل مستدام، ونهج يقوم على مشاركة الناجين وحماية الشهود، مع تحذير من أن تقليص الاستقلال أو المصادر قد ينعكس سلبًا على القدرة التحقيقية والوقائية، في الوقت نفسه حذّر خبراء من أن تقليص التمويل أو الاهتمام السياسي سيسهّل تراجع الاستجابة ويزيد خطر ضياع الهدف الدولي بإنهاء أشكال العبودية قبل 2030.
تُبنى الاستجابة الدولية على معاهدات وقرارات دولية واضحة تشمل أحكام اتفاقيات إلغاء العبودية، ومواثيق الأمم المتحدة التي تحظر الرقّ والعبودية والاتجار، وبروتوكول باليرمو الخاص بمكافحة الاتجار في الأشخاص، ومعاهدات عمل دولية تتضمن التزامات بإلغاء العمل القسري وحماية الأطفال، كما تشكّل أهداف التنمية 2030، ولا سيما الهدف 8.7، إطاراً سياسياً ملزماً أخلاقياً للدول في هذا المجال، وهو ما استعرضته بيانات المقرّرين والمنظمات الأممية عند بحثها لمدى التزام الدول بالالتزامات والنتائج، وفق المفوضية السامية لحقوق الإنسان.
التداعيات الإنسانية والسياسية
العبودية المعاصرة ليست ظاهرة إجرامية مجرَّدة؛ بل هي جرح إنساني عميق ينتج عنه تشريد وضحايا محرومون من الحقوق الأساسية وصدمات نفسية طويلة المدى، وتترتب عليها أضرار اجتماعية واقتصادية تضاعف الفقر واللامساواة، واقتصادياً، تبيّن دراسات أن الاستغلال يجني أرباحاً ضخمة يُعاد استثمارها في بنية الجريمة المنظمة، ما يخلق دورة معقّدة من الإفلات من العقاب، وسياسياً، فإن عدم تصحيح الاختلالات القانونية والمؤسسية قد يركّز العبء على منظمات المجتمع المدني ويضع الدول في مواجهة اتهامات بالتقاعس عن تطبيق التزاماتها الدولية.
تشير المستندات والخبرات المتعلقة بضرورة اتخاذ إجراءات مكمِّلة تشمل تحديد نطاق وصلاحيات واضحة للمقرّر الموحد، وموارد مالية وبشرية كافية ومستقلة، وآليات إشراك الناجين والمجتمع المدني، وتنسيقاً إلزامياً لتبادل بيانات موحدة، وإدماج عنصر المساءلة الاقتصادية والمالية ضمن التحقيقات، كما ينبغي أن تواكب الدول بإصلاحات تشريعية وطنية وتدابير إلزامية لبيُوع الشركات وسلاسل التوريد لضمان عدم إفلات مرتكبي جرائم الاستغلال والعبودية من العقاب وفق المفوضية السامية لحقوق الإنسان.
ينفتح مشروع القرار L.8 على فرصة لمواءمة العمل الأممي مع واقع تداخل الجرائم الاقتصادية والإنسانية واستعادة حريّة الملايين وحماية أطفال ونساء ورجال يتعرضون للاستغلال لا يتأتّى من نصّ قرارٍ فقط، بل من إرادةٍ دولية ومقاربة تنفيذية واضحة وشفافة تترجم الالتزامات إلى حماية يومية ونتائج قابلة للقياس.










