بانتظار موافقة إسرائيل وفتح المعابر.. الأمم المتحدة: 170 ألف طن من المساعدات جاهزة لدخول غزة
بانتظار موافقة إسرائيل وفتح المعابر.. الأمم المتحدة: 170 ألف طن من المساعدات جاهزة لدخول غزة
أعلنت الأمم المتحدة، الخميس، استعدادها لتوسيع نطاق المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة على نحو غير مسبوق، في أعقاب إعلان اتفاق وقف إطلاق النار الذي أنهى عامين من الحرب المدمّرة.
وقالت المنظمة الدولية إن نحو 170 ألف طن متري من المواد الغذائية والأدوية والإمدادات الإنسانية باتت جاهزة للدخول إلى القطاع، بانتظار موافقة إسرائيل لفتح المعابر والسماح بزيادة حجم المساعدات بشكل كبير.
المنسق الأممي للشؤون الإنسانية، توم فليتشر، أكد في مؤتمر صحفي عبر تقنية الفيديو من نيويورك أن "الوضع في قطاع غزة لا يحتمل الانتظار"، مشيراً إلى أن "ما وصل من المساعدات خلال الأشهر الماضية لم يتجاوز 20% من الاحتياجات الفعلية"، وهو ما وصفه بأنه "فشل جماعي في حماية المدنيين وضمان حقهم في الحياة الكريمة".
اتفاق الهدنة يفتح باب الأمل
يمثل الاتفاق الذي أُعلن عنه الأربعاء، بوساطة أمريكية وموافقة إسرائيلية – فلسطينية، أول بارقة أمل حقيقية منذ شهور طويلة لمسؤولي الأمم المتحدة وشركائها في المجال الإنساني.
وبحسب وكالة "أسوشيتد برس"، فإن الاتفاق جاء بعد جهود مكثفة من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، ويتضمن بنوداً تتيح للأمم المتحدة الإشراف المباشر على عمليات الإغاثة داخل القطاع وتسهيل دخول المساعدات عبر جميع المعابر.
وقال فليتشر: "نحن على أهبة الاستعداد للتحرك فوراً، ولدينا خطط تشغيلية جاهزة للتنفيذ بمجرد الحصول على الضوء الأخضر، حجم الاحتياجات في غزة هائل، والمعاناة غير مسبوقة، ولذلك فإن توسيع نطاق المساعدات يجب أن يكون فورياً ومنسقاً دولياً".
خطة أممية طموحة: الغذاء والصحة والتعليم أولاً
وأوضح فليتشر أن الأمم المتحدة ستنفذ خلال أول 60 يوماً من وقف إطلاق النار خطة إنسانية متكاملة تتضمن زيادة عدد الشاحنات التي تدخل غزة يومياً إلى ما بين 500 و600 شاحنة محمّلة بالإمدادات الغذائية والطبية، مقابل أقل من 80 شاحنة في ذروة الحرب.
وتهدف الخطة إلى إيصال المساعدات الغذائية إلى نحو 2.1 مليون شخص، وتقديم مكملات غذائية لـ500 ألف آخرين يعانون من سوء تغذية حاد.
وأشار إلى أن "وقف المجاعة في المناطق التي تفشت فيها ومنع تمددها إلى مناطق أخرى سيكون الهدف الأول"، مشدداً على أن الأمم المتحدة ستعيد تشغيل المخابز والمطابخ المجتمعية، وتوزيع حصص غذائية خاصة على الأسر التي فقدت مصادر دخلها.
وفي الجانب الصحي، تهدف الخطة إلى إعادة تأهيل النظام الصحي الذي دُمّر بالكامل تقريباً خلال الحرب، من خلال إدخال الأدوية الأساسية، ونشر فرق طبية طارئة، وتفعيل الإجلاء الطبي للحالات الحرجة، كما ستُخصص موارد لدعم خدمات الصحة النفسية وإعادة التأهيل، خاصة للأطفال والنساء اللواتي تعرضن للعنف الجنسي أو فقدن أسرهن.
البنية التحتية والمأوى والمياه
تسعى الأمم المتحدة أيضاً لإصلاح البنية التحتية الأساسية في غزة، بما في ذلك شبكات المياه والصرف الصحي، عبر تركيب مراحيض منزلية جديدة وإصلاح محطات الضخ والتخلص من النفايات الصلبة التي تراكمت في الأحياء المدمّرة.
وقال فليتشر إن المنظمة "تخطط لإدخال آلاف الخيام أسبوعياً لتأمين المأوى للنازحين"، إضافة إلى أغطية بلاستيكية مقاومة للمطر ومواد بناء خفيفة يمكن استخدامها لإعادة تأهيل المنازل المهدّمة جزئياً قبل حلول فصل الشتاء.
عودة التعليم ومحو آثار الحرب من أذهان الأطفال
وفيما يتعلق بقطاع التعليم، أوضح فليتشر أن الأمم المتحدة تعمل على إنشاء مراكز تعليمية مؤقتة لما يقرب من 700 ألف طفل انقطعوا عن الدراسة منذ اندلاع الحرب، إضافة إلى توفير الكتب والمستلزمات الدراسية.
وقال: "الأطفال في غزة لا يحتاجون فقط إلى المدارس، بل إلى الأمل، التعليم بالنسبة لهم هو الخطوة الأولى نحو التعافي النفسي والاجتماعي بعد عامين من الخوف والعنف والحرمان".
وحذر فليتشر من أن "التمويل الحالي غير كافٍ"، داعياً الدول المانحة الكبرى إلى تحويل وعودها إلى التزامات مالية فورية، مضيفاً: "هذا ليس وقت التصريحات السياسية، بل وقت العمل الإنساني الملموس".
ترحيب حذر وانتظار التنفيذ
قوبل الإعلان الأممي بترحيب واسع من منظمات الإغاثة الدولية، بينها "أطباء بلا حدود" و"برنامج الأغذية العالمي"، اللتان اعتبرتا أن "توسيع المساعدات يمثل الفرصة الأخيرة لتجنب كارثة إنسانية كبرى".
وقالت منظمة "أطباء بلا حدود" إن "النظام الصحي في غزة على شفا الانهيار الكامل، وأي تأخير إضافي في إدخال الإمدادات سيعني مزيداً من الأرواح المهدورة".
أما الاتحاد الأوروبي، فأعرب عن استعداده لدعم الجهود الأممية "بشرط ضمان شفافية توزيع المساعدات ووصولها إلى مستحقيها دون تمييز".
في المقابل، لم تُصدر الحكومة الإسرائيلية تعليقاً رسمياً، لكن وسائل إعلام عبرية نقلت عن مصادر سياسية قولها إن "فتح المعابر سيتم تدريجياً وتحت إشراف أمني صارم"، ما يثير مخاوف من بطء في التنفيذ.
من الحرب إلى الجوع
على مدى عامين من القتال، عاشت غزة واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في تاريخها الحديث، فقد استشهد عشرات الآلاف، ودُمرت أحياء بأكملها، فيما يعاني أكثر من 80% من السكان من انعدام الأمن الغذائي.
ووفق بيانات الأمم المتحدة، يعيش نحو 1.5 مليون شخص في مراكز إيواء مؤقتة، في ظل نقص حاد في المياه والكهرباء والدواء، وأشارت تقارير "برنامج الأغذية العالمي" إلى أن بعض المناطق دخلت فعلاً في حالة "مجاعة موثقة"، مع تفشي سوء التغذية بين الأطفال والنساء الحوامل.
دور الأمم المتحدة في غزة
منذ بداية الحرب، كانت الأمم المتحدة وشركاؤها الإنسانيون يواجهون تحديات هائلة في إيصال المساعدات إلى القطاع بسبب القصف والقيود الإسرائيلية.
وتقول المنظمة إن فرقها كانت "تطلب وتتوسل" السماح بالوصول إلى المدنيين، لكن المعابر بقيت مغلقة لأشهر طويلة، ما أدى إلى انهيار شبه كامل للبنية الاجتماعية والاقتصادية في القطاع.
ويُعد توسيع المساعدات اليوم جزءاً من خطة أممية أوسع لإعادة بناء الخدمات الأساسية خلال الأشهر الستة المقبلة، تشمل دعم البلديات المحلية، وإعادة تأهيل المدارس والمستشفيات، وتحسين سبل العيش عبر برامج تشغيل قصيرة الأمد.