إزالة غابات الأمازون تهدد العالم.. تقرير أممي يحذر من نقطة اللاعودة البيئية

8 ملايين هكتار دُمرت في عام واحد

إزالة غابات الأمازون تهدد العالم.. تقرير أممي يحذر من نقطة اللاعودة البيئية
تدمير الغابات

في انتكاسة جديدة لجهود حماية البيئة، كشف تقرير دولي صدر يوم الاثنين أن العالم خسر في عام 2024 ما يقارب 8.3 مليون هكتار من الغابات، وهي مساحة تعادل نصف مساحة إنجلترا، في دمار وصفه الخبراء بأنه "دائم وغير قابل للاسترجاع"، الأمر الذي يهدد بتقويض التعهدات العالمية بوقف إزالة الغابات بحلول عام 2030.

التقرير، الصادر عن ائتلاف بحثي يضم منظمات بيئية عالمية ومؤسسات مستقلة تحت عنوان "تقييم إعلان الغابات"، أشار إلى أن الخسائر ارتفعت بنحو 1.7 مليون هكتار مقارنة بعام 2022، حين بلغت المساحة المفقودة 6.6 مليون هكتار وفق وكالة الأنباء الألمانية.

ورغم أن أكثر من 140 دولة كانت قد وقعت في مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ في غلاسكو عام 2021 على تعهد بوقف إزالة الغابات واستعادة 350 مليون هكتار من الأراضي المتدهورة، فإن الواقع الميداني يكشف فجوة ضخمة بين الوعود والتنفيذ.

بؤر الانهيار البيئي

أبدى التقرير قلقًا خاصًا بشأن الغابات الاستوائية التي تشكل رئة الكوكب ومصدر التوازن المناخي العالمي، مشيرًا إلى أن الأنشطة البشرية -من الزراعة المكثفة وبناء الطرق إلى قطع الأشجار وجمع الحطب- أدت إلى أضرار جسيمة حتى في المناطق التي كانت تُعد معزولة سابقًا.

وفي أمريكا اللاتينية وحدها، تصدرت غابات الأمازون المشهد المأساوي، حيث أطلقت الحرائق التي اجتاحت المنطقة العام الماضي نحو 791 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون وغازات دفيئة أخرى، أي ما يعادل سبعة أضعاف الانبعاثات السنوية المعتادة، وأكثر مما تصدره دولة صناعية كبرى مثل ألمانيا خلال عام كامل.

أما في آسيا وإفريقيا وأوقيانوسيا، ومنها شرق أستراليا، فقد شهدت مساحات شاسعة حرائق مدمرة كان كثير منها مفتعلًا عمدًا بهدف توسيع الأراضي الزراعية أو مشاريع استثمارية على حساب الغطاء النباتي الطبيعي.

فجوة تتسع بين التعهدات والواقع

تقول إيرين ماتسون من منظمة كلايمت فوكس، وهي إحدى الجهات المشاركة في إعداد التقرير، إن "الفجوة بين الوعود والواقع تتسع عامًا بعد عام، ما يخلف عواقب مدمرة على البشر والمناخ والاقتصاد".

وأضافت أن ما يحدث اليوم "لا يمثل مجرد إخفاق سياسي، بل جريمة بيئية بحق الأجيال القادمة"، معتبرة أن الدول الموقعة على إعلان غلاسكو فشلت في وضع سياسات تنفيذية حقيقية تضمن وقف إزالة الغابات على الأرض.

ويشير التقرير إلى أن أغلب الدول المنتجة للخشب والمحاصيل الزراعية الكبرى لم تتبن بعد أنظمة مراقبة فعّالة أو تشريعات تمنع الشركات من استغلال الأراضي المحمية، في حين تتواصل الضغوط الاقتصادية التي تدفع المجتمعات المحلية نحو تدمير الغابات وسيلة للبقاء.

حين تتحول الطبيعة إلى ضحية للربح

في مناطق واسعة من البرازيل وإندونيسيا والكونغو الديمقراطية وبوليفيا، تتقاطع مصالح الزراعة الصناعية مع ضعف إنفاذ القوانين، ما يؤدي إلى تفاقم إزالة الغابات لأغراض إنتاج زيت النخيل وفول الصويا واللحوم.

ويرى محللون بيئيون أن هذه الأنشطة تمثل حلقة مفرغة من الربح قصير المدى والخسارة طويلة الأمد، إذ يتم تحويل مساحات شاسعة من الغابات الغنية بالتنوع البيولوجي إلى مزارع تجارية فقيرة بيئيًا.

ويحذر خبراء المناخ من أن استمرار هذه الممارسات سيقود إلى نقطة تحول بيئية لا يمكن بعدها للغابات -خصوصًا الأمازون- أن تعيد توليد نفسها أو امتصاص الكربون، ما يعني أن الأرض قد تفقد واحدة من أهم أدواتها الطبيعية في مكافحة الاحتباس الحراري.

يقول خبير التنوع البيولوجي إيفان بالمجياني إن "الضرر الذي يلحق بالغابات يدفعها نحو حافة الانهيار، نحن نقترب من نقطة اللاعودة، حيث يتحول النظام البيئي إلى مصدر انبعاثات بدلًا من كونه خزانًا للكربون".

العواقب المناخية والإنسانية

تدمير الغابات لا يقتصر أثره في البيئة فحسب، بل يمتد إلى حياة الإنسان واقتصاده وأمنه الغذائي.

فالغابات تمثل مصدر رزق لملايين السكان المحليين، وتؤمن المياه العذبة وتحدّ من الفيضانات والجفاف ومع اختفائها، تتفاقم الكوارث الطبيعية وتتراجع القدرة على الزراعة المستدامة، ما يؤدي إلى نزوح بيئي متزايد في دول الجنوب العالمي.

وتؤكد دراسات برنامج الأمم المتحدة للبيئة أن إزالة الغابات مسؤولة عن نحو 20% من الانبعاثات الكربونية العالمية، وهي نسبة تعادل الانبعاثات الصادرة عن جميع وسائل النقل مجتمعة.

كما أن الغطاء الغابي يسهم في تنظيم دورة المياه والمناخ الإقليمي، وأي اختلال فيه ينعكس فورًا على أنماط الطقس وحرائق الغابات والتصحر.

الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر

من جانبها، دعت الأمم المتحدة إلى اتخاذ "خطوات عاجلة وملموسة" لوقف التدهور، مؤكدة أن الجهود الحالية غير كافية لتحقيق أهداف عام 2030.

وقالت إنغر أندرسن، المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، إن "كل شجرة تُقطع هي خطوة إلى الوراء في معركة المناخ"، وأضافت أن على الدول الصناعية، التي تموّل جزءًا كبيرًا من الأنشطة الزراعية المدمرة في الجنوب، أن تتحمل مسؤوليتها التاريخية في تمويل الحماية وإعادة التشجير.

وفي السياق ذاته، دعت منظمات حقوقية بيئية مثل غرينبيس والصندوق العالمي للطبيعة إلى فرض تشريعات دولية ملزمة لمساءلة الحكومات والشركات التي تواصل استغلال الغابات دون رقابة.

التكنولوجيا ليست وحدها الحل

ورغم دخول تقنيات مراقبة متطورة تعتمد على الأقمار الصناعية والذكاء الاصطناعي لتتبع إزالة الغابات، فإن الخبراء يرون أن الجانب السياسي والاقتصادي يبقى العقبة الكبرى.

إذ تحتاج الجهود إلى إرادة سياسية صلبة، وربط المساعدات الدولية بالامتثال البيئي، إضافة إلى دعم المجتمعات المحلية وتمكينها من حماية أراضيها بدلًا من تحويلها إلى ضحية للمضاربات الاستثمارية.

حماية الغابات خطة نجاة

يحذر العلماء من أن السنوات الخمس المقبلة ستكون حاسمة لتجنب انهيار بيئي عالمي فالحفاظ على الغابات لم يعد خيارًا بيئيًا ترفيهيًا، بل شرطًا أساسيًا لاستقرار المناخ والاقتصاد العالمي.

ويختتم التقرير بتحذير صارخ: "إذا استمر العالم في فقدان الغابات بالمعدلات الحالية، فإن أهداف اتفاق باريس للمناخ ستصبح خارج المتناول تمامًا، وسيواجه مليارات البشر مستقبلًا أكثر سخونة وفقراً وخطرًا".

الغابات التي كانت يومًا رمزًا للحياة والتوازن، تتحول اليوم إلى شاهد على فشل جماعي في حماية الكوكب، ومع ذلك، فإن الأمل ما زال قائمًا إذا تحولت الوعود إلى فعل، والإعلانات إلى سياسات حقيقية تُزرع على الأرض كما تُكتب في المؤتمرات.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية