نساء محرومات وأطفال جياع.. تقرير حقوقي يحذر من انهيار إنساني في أفغانستان
نساء محرومات وأطفال جياع.. تقرير حقوقي يحذر من انهيار إنساني في أفغانستان
تواجه أفغانستان اليوم واحدة من أكثر الكوارث الإنسانية قسوة في العالم، إذ تتقاطع فيها أزمات الجوع والفقر والتشريد والانهيار الاقتصادي، إلى جانب القيود الواسعة التي تفرضها سلطات الأمر الواقع على النساء والفتيات. وعلى الرغم من مرور أكثر من عقدين على بدء المساعدات الدولية، فإن الأوضاع الإنسانية في البلاد ما تزال تتدهور على نحو غير مسبوق، لتتحول حياة الملايين إلى صراع يومي من أجل البقاء.
وأفادت شبكة الحماية العالمية، وهي تحالف من المنظمات غير الحكومية الدولية، أن أفغانستان تواجه في عام 2025 واحدة من أشد الأزمات الإنسانية على مستوى العالم، وأوضحت أن العودة القسرية لملايين اللاجئين والكوارث الطبيعية والتغير المناخي الحاد فاقمت الأزمة، وحلت محل النزاعات المسلحة بوصفها عاملاً رئيسياً للتهجير، ووفقاً للتقرير، تم ترحيل أكثر من مليوني مهاجر من إيران وباكستان إلى الداخل الأفغاني خلال العام الحالي، ما شكل ضغطاً هائلاً على المجتمعات الفقيرة أصلاً بحسب شبكة "أفغانستان إنترناشيونال".
كما أسهمت التخفيضات الكبيرة في المساعدات الإنسانية الدولية، ولا سيما خفض ميزانية الدعم الأمريكي بنسبة 47 في المئة، في تعليق عدد من البرامج الأساسية، منها إزالة الألغام وتقديم الخدمات الطبية والمياه والغذاء، وأشارت الشبكة إلى أن الكوارث الطبيعية وحدها أثرت في أكثر من خمسة ملايين شخص في النصف الأول من العام، نتيجة الفيضانات والزلازل والعواصف الترابية التي تكررت بوتيرة غير مسبوقة.
وفي ظل هذه الظروف، فرضت سلطات طالبان مزيداً من القيود الاجتماعية عبر تطبيق قانون الأمر بالمعروف الذي قيد بشدة حركة النساء والفتيات ومنع الكثيرات منهن من العمل في المجالات الإنسانية والطبية والتعليمية، وهذا الإجراء، بحسب منظمات الأمم المتحدة، أدى إلى تراجع قدرة الفرق الإغاثية على الوصول إلى المجتمعات الأكثر حاجة، خصوصاً النساء والأطفال.
أطفال يذبلون بصمت
قال ممثل منظمة الأمم المتحدة للطفولة في أفغانستان، تاج الدين إيوالي، إن البلاد تواجه إحدى أسوأ أزمات التغذية في العالم، إذ يعاني نحو 3.5 ملايين طفل من سوء تغذية حاد، في حين يواجه نحو مليون طفل آخر خطر الموت بسبب الهزال الشديد، وأوضح أن تمويل البرامج الإنسانية وتسهيل وصول الطبيبات والعاملات الصحيات إلى المناطق النائية يمكن أن ينقذ أرواحاً كثيرة ويمنح هؤلاء الأطفال فرصة للنجاة.
وأشار إيوالي إلى أن اليونيسف تواصل رغم كل التحديات تقديم العلاج لأكثر من 480 ألف طفل مصاب بسوء تغذية حاد هذا العام، في حين تعمل برامجها الميدانية على تأمين مياه الشرب والمكملات الغذائية في المناطق الأكثر تضرراً، كما أكد أن استمرار القيود على النساء العاملات في القطاع الصحي يشكل عقبة خطيرة أمام جهود الإنقاذ، إذ تحرم آلاف الأمهات من تلقي الرعاية أو إيصال أطفالهن إلى العيادات.
وكان برنامج الأغذية العالمي قد أعلن في سبتمبر الماضي أن نحو خمسة ملايين أم وطفل في أفغانستان يعانون من سوء تغذية، محذراً من أن أزمة الجوع تتعمق يوماً بعد يوم، وتشير بيانات الأمم المتحدة إلى أن طفلاً يصاب بسوء التغذية في أفغانستان كل عشر ثوان، في مؤشر صادم على حجم الكارثة التي تتكشف بصمت بعيداً عن الأضواء.
القيود والتمييز يزيدان الجرح
التقرير الصادر عن شبكة الحماية العالمية أشار إلى أن النساء والفتيات يتحملن العبء الأكبر من المعاناة، في ظل القيود المشددة على التعليم والعمل والمشاركة المجتمعية، كما تواجه الأقليات الدينية والعرقية وذوو الإعاقة والنازحون داخلياً تحديات معقدة، إذ يعانون من نقص في الموارد والخدمات الأساسية، فضلاً عن ضعف الحماية القانونية والإنسانية.
ويحذر العاملون في المجال الإنساني من أن القيود الإدارية والبيروقراطية التي تفرضها سلطات طالبان على المنظمات المحلية والدولية تمنع توسيع نطاق المساعدات، وأكد التقرير أن الاستجابة الفعالة تتطلب زيادة فورية في التمويل لاستئناف البرامج المعلقة، مع التركيز على تقليل العقبات التشغيلية وضمان وصول الإغاثة إلى المستفيدين دون تدخل سياسي أو أمني.
وفي بيانات متلاحقة، حذرت الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية الدولية من أن أفغانستان تقف على حافة كارثة إنسانية مستمرة، ودعت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى وقف عمليات الترحيل القسري من الدول المجاورة، مشيرة إلى أن معظم العائدين يعيشون في أوضاع مأساوية دون مأوى أو غذاء أو رعاية صحية، كما دعت منظمة العفو الدولية إلى فتح ممرات إنسانية آمنة وتخفيف القيود المفروضة على العاملين في المجال الإغاثي.
من جانبها، أكدت منظمة هيومن رايتس ووتش أن الأزمة في أفغانستان لم تعد مسألة مساعدات فقط، بل أصبحت أزمة حقوق إنسان شاملة، تتعلق بحرمان ملايين النساء من التعليم والعمل، وبالعنف الممنهج ضد الأقليات، وبغياب كامل للمساءلة، ودعت إلى ربط المساعدات الدولية بآليات مراقبة حقوقية لضمان عدم استخدامها ورقة ضغط سياسية.
وفي الوقت نفسه، شددت المفوضية الأوروبية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي على ضرورة دعم المجتمعات المحلية وتمكينها من الاعتماد على الذات، من خلال مشاريع تنموية صغيرة في الزراعة والطاقة والتعليم المهني، لتقليل الاعتماد على المساعدات الطارئة التي أصبحت عاجزة عن تغطية الحاجات المتزايدة.
أزمة ممتدة
تُعد أفغانستان واحدة من أكثر دول العالم هشاشة منذ عقود طويلة، إذ عانت من صراعات داخلية وغزوات متكررة وانقسامات سياسية عميقة، فمنذ الغزو السوفييتي عام 1979 مروراً بالحروب الأهلية في التسعينيات وسقوط نظام طالبان الأول عام 2001، ثم عودة الحركة إلى السلطة في أغسطس 2021، ظل الشعب الأفغاني يدفع ثمناً باهظاً من أمنه واستقراره.
أدى الانسحاب المفاجئ للقوات الأمريكية وانهيار الحكومة السابقة إلى فراغ سياسي واقتصادي كبير، تلاه تجميد الأصول الأفغانية في الخارج ووقف المساعدات التنموية التي كانت تشكل نحو 75 في المئة من ميزانية الدولة. هذا الانهيار الاقتصادي أدى إلى فقدان مئات الآلاف من الوظائف وتدهور قيمة العملة المحلية، في حين تجاوزت معدلات الفقر 90 في المئة من السكان وفق تقديرات الأمم المتحدة.
الوجه الإنساني للمأساة
على الطرق الوعرة الممتدة عبر ولايات أفغانستان الجبلية، تسير أمهات يحملن أطفالهن الهزلى على أذرعهن بحثاً عن مركز صحي ما زال مفتوحاً. وفي مخيمات النازحين في قندهار وهيرات وبدخشان يعيش الناس في خيام مهترئة تحت أمطار الخريف، يقتسمون وجبة واحدة في اليوم ويخزنون الرماد لتدفئة الليل البارد. تقول فرق الإغاثة إن مشهد الأطفال الذين يمصّون أصابعهم جوعاً أصبح جزءاً من الحياة اليومية، في حين يضطر الكثير من الآباء إلى تزويج بناتهم في سن مبكرة لتقليل عدد الأفواه الجائعة.
هذه الصور القاسية تعكس عمق المأساة التي يعيشها أكثر من 28 مليون إنسان يحتاجون إلى المساعدة الفورية، من أصل نحو 40 مليوناً يشكلون سكان البلاد، وفي ظل استمرار الأزمة وتقلص التمويل الدولي، يخشى العاملون في المجال الإنساني من أن تتحول المعاناة الحالية إلى كارثة طويلة الأمد.
يؤكد الخبراء أن المخرج الوحيد من الدائرة المفرغة للأزمات في أفغانستان يتمثل في الجمع بين الإغاثة العاجلة وجهود التنمية المستدامة، مع إشراك المجتمعات المحلية والنساء في صنع القرار الإنساني. كما يدعون إلى التزام المجتمع الدولي بمبدأ الحياد وعدم تسييس المساعدات، والضغط من أجل احترام القانون الدولي الإنساني بما يضمن وصول المساعدات دون معوقات وحماية الفئات الأضعف.










