من المنفى إلى الملعب.. رحلة لاعبات أفغانستان نحو استعادة الحق في الرياضة
من المنفى إلى الملعب.. رحلة لاعبات أفغانستان نحو استعادة الحق في الرياضة
في مشهدٍ رمزيٍّ تجاوز حدود الرياضة، نزلت لاعبات المنتخب الوطني الأفغاني لكرة القدم للسيدات إلى أرض الملعب في المغرب هذا الأسبوع، ليخضن أولى مبارياتهن منذ أربع سنوات. كانت تلك العودة أكثر من مجرد لقاء رياضي؛ إنها عودة من المنفى، من الخوف، ومن نظام حاول محو النساء من المجال العام.
تصف منظمة هيومن رايتس ووتش في نسختها الانجليزية هذا الحدث بأنه انتصار حقيقي لحقوق الإنسان، إذ أعاد إلى الساحة صوت النساء الأفغانيات اللواتي جُرّدن من أبسط حقوقهن منذ سيطرة طالبان على البلاد عام 2021.
وقبل عودة حركة طالبان إلى الحكم، كانت الرياضة النسائية في أفغانستان تواجه صعوبات جمّة، من نقص التمويل إلى التهديدات بالعنف، لكن بعد أغسطس 2021، انقلب المشهد كلياً. أصدرت السلطات الجديدة أوامر بحظر مشاركة النساء في أي نشاط رياضي، وأغلقت الملاعب ومراكز التدريب، كما منعت الفتيات من حضور المباريات أو حتى الخروج إلى الهواء الطلق من دون محرم.
اضطرت معظم اللاعبات إلى تدمير أي دليل على نشاطهن الرياضي، وأحرقت بعضهن قمصانهن، وأخفت أخريات ميدالياتهن تحت الأرض خوفاً من الملاحقة. فقدت الرياضة، بالنسبة لنساء أفغانستان، معناها بوصفها فضاءً للحرية والفرح، وتحولت إلى ذكرى مؤلمة.
اللاعبات اللاتي تمكنّ من الفرار، بدأن حياة جديدة في المنفى، متناثرات بين دول عدة، من أستراليا إلى الدنمارك والمغرب. وهناك، أعدن بناء فريقهن تحت اسم الاتحاد الأفغاني للسيدات، ليصبح رمزاً للمقاومة المدنية والتمسك بالهوية.
الفيفا بين الصمت والمساءلة
واجهت اللاعبات عقبة إضافية تمثلت في عدم اعتراف الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) بالفريق المنفي، ما يعني حرمانه من المشاركة الرسمية في البطولات الدولية، واعتبرت هيومن رايتس ووتش وتحالف الرياضة والحقوق أن هذا الموقف يسهم فعلياً في تصدير سياسات طالبان القمعية إلى الخارج.
استمر الضغط الحقوقي لأربع سنوات، إلى أن اضطرت الفيفا أخيراً إلى السماح للفريق بالمنافسة بوصفه ممثلاً رمزياً لأفغانستان، ورغم أن الخطوة لم تصل بعد إلى الاعتراف الكامل، فإنها تعد تحولاً تاريخياً في مسار نضال الرياضيات الأفغانيات.
تقول اللاعبة فاطمة فولادي التي شاركت سابقاً في منتخبين تحت 15 وتحت 19 عاماً: “اللعب لبلدي هو طريقتي للدفاع عن الفتيات في أفغانستان. حلمي أن نعود جميعاً لنلعب معاً ونثبت أن الأمل لا يُهزم”.
نضال المرأة الأفغانية
ترى المنظمات الحقوقية أن عودة الفريق النسائي للملاعب تمثل أكثر من مجرد حدث رياضي، فهي إعلان رمزي عن قدرة النساء على مقاومة محاولات المحو الممنهج، وتقول هيومن رايتس ووتش إن الرياضة كانت ولا تزال باباً للقيادة والتعليم والاستقلال المالي والكرامة.
في السياق ذاته، أكدت منظمة العفو الدولية أن حرمان النساء من ممارسة الرياضة في أفغانستان هو جزء من منظومة أوسع لقمع النساء والفتيات تشمل التعليم والعمل وحرية الحركة، وأشارت إلى أن سياسات طالبان تتعارض مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، والتي صادقت عليها أفغانستان عام 2003.
ومنذ أغسطس 2021، فرضت طالبان قيوداً شاملة على النساء، إذ حظرت عليهن التعليم الثانوي والجامعي، ومنعتهن من العمل في المؤسسات العامة والدولية، ووفقاً للأمم المتحدة، فإن أكثر من 60% من النساء في سن العمل في أفغانستان اليوم بلا وظائف، في حين تعاني ملايين الفتيات من العزلة القسرية.
أفاد تقرير الأمم المتحدة الصادر في سبتمبر 2025 بأن القيود على النساء تُعد الأوسع في العالم، مشيراً إلى أن أفغانستان أصبحت الدولة الوحيدة التي تُمنع فيها النساء والفتيات بشكل كامل من التعليم بعد المرحلة الابتدائية.
وفي ظل هذا الواقع، تعد العودة الرمزية لفريق كرة القدم للسيدات نافذة أمل صغيرة في جدار العزلة القاتم، وفق توصيف مبعوثة الأمم المتحدة السابقة إلى أفغانستان، ديبورا ليونز التي قالت إن كل خطوة تخطوها النساء الأفغانيات نحو العلن هي انتصار على الصمت.
ردود أفعال دولية
رحبت منظمات عدة بالعودة الرمزية للفريق، ودعت الهيئات الرياضية إلى اتخاذ مواقف أكثر صرامة ضد استبعاد النساء، وطالبت هيومن رايتس ووتش الفيفا والمجلس الدولي للكريكيت واللجنة الأولمبية الدولية بـرفض التعاون مع أي هيئة رياضية أفغانية خاضعة لسيطرة طالبان.
كما دعت منظمة سبورت أند رايتس إلى دعم برامج تدريب للفتيات الأفغانيات اللاجئات في الشتات، معتبرة أن الرياضة ليست ترفاً بل حق أساسي من حقوق الإنسان.
في المقابل، أعربت وزارة الخارجية الأمريكية عن دعمها للفريق النسائي، ووصفت مشاركته بأنها رمز للإصرار الإنساني في وجه القمع، في حين أشارت مفوضة الاتحاد الأوروبي للمساواة هيلينا دالي إلى أن “المجتمع الدولي يتحمل مسؤولية حقيقية في ضمان ألا تُفرض سياسات طالبان خارج حدود أفغانستان.
حق النساء في الرياضة
تؤكد القوانين والمواثيق الدولية، ومنها الميثاق الأولمبي والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، حق النساء في ممارسة الرياضة والمشاركة في الحياة العامة دون تمييز.
كما ينص البند 10 من اتفاقية سيداو على ضرورة ضمان فرص متكافئة للنساء في الأنشطة الرياضية والثقافية، ويعد حرمان النساء من هذه الحقوق انتهاكاً مزدوجاً لحقوق الإنسان وللمعايير الدولية للرياضة.
في هذا السياق، يرى خبراء حقوقيون أن موقف الفيفا من الاعتراف بالفريق النسائي الأفغاني يمثل اختباراً حقيقياً لقدرة المؤسسات الرياضية العالمية على الالتزام بالقيم الإنسانية التي ترفعها في شعاراتها.
وتأسس المنتخب النسائي الأفغاني لكرة القدم عام 2007، بدعم من الاتحاد الدولي، وحقق إنجازات رمزية مهمة رغم التحديات الأمنية، كانت لاعباته تتدرب في ملاعب مغلقة خوفاً من الهجمات، وغالباً تحت حراسة مسلحة.
في عام 2018، انفجرت فضيحة واسعة بعد اتهامات بالتحرش الجنسي والفساد داخل الاتحاد الأفغاني لكرة القدم، ما أدى إلى إيقاف رئيس الاتحاد حينها مدى الحياة من قبل الفيفا. تلك الحادثة سلطت الضوء على هشاشة وضع الرياضيات في البلاد حتى قبل عودة طالبان.
بعد سيطرة الحركة على الحكم، تم تفكيك المنتخب رسمياً، واضطر معظم اللاعبات إلى الفرار نحو بلدان مثل أستراليا التي استضافت عدداً كبيراً منهن وساعدتهن على إعادة تنظيم الفريق في المنفى.
تداعيات إنسانية وأمل متجدد
ورغم أن الفريق الجديد لا يمثل دولة معترفاً بها رسمياً، فإن رمزيته تجاوزت الحدود الوطنية. وبالنسبة لملايين النساء والفتيات الأفغانيات، تشكل عودة اللاعبات إلى الملعب دليلاً على أن النضال من أجل الكرامة لا يتوقف، حتى في المنفى.
تقول إحدى اللاعبات في مقابلة لهيومن رايتس ووتش: نلعب من أجل من لا يستطعن رفع أصواتهن، فكل تمريرة، وكل هدف، هو رسالة إلى العالم بأننا ما زلنا هنا.
من جهته، أكد المفوض السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك أن ما تقوم به الرياضيات الأفغانيات يبرهن أن المقاومة السلمية يمكن أن تبدأ من ملعب كرة قدم، داعياً المجتمع الدولي إلى دعمهن ليس بالكلمات فقط، بل ببرامج ملموسة تضمن استمرار مشاركتهن الرياضية والتعليمية.










