تهديد ترامب لنيجيريا.. حماية طائفة أم تصعيد دولي يفاقم أزمة إنسانية؟
تهديد ترامب لنيجيريا.. حماية طائفة أم تصعيد دولي يفاقم أزمة إنسانية؟
هدّد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب السبت بإمكانية إرسال قوات أمريكية "مدججة بالسلاح" إلى نيجيريا ما لم تتصرف حكومتها لوقف ما وصفه بـ"قتل المسيحيين" على أيدي مجموعات إسلامية متشددة، وأعلن أنه طلب من البنتاغون إعداد خطط لعمل عسكري محتمل، مع تحذير بوقف المساعدات إذا استمرت الأعمال العنيفة، وفق فرانس برس.
أسباب الأزمة
تصاعد العنف في نيجيريا لم ينبع من عامل واحد بل من تلاقي سلسلة عوامل أمنية واجتماعية واقتصادية. أولاً، وجود جماعات جهادية مسلحة في الشمال الشرقي مثل بوكو حرام وفروعها المرتبطة بتنظيم الدولة جعل تلك المناطق مسرحاً لصراع مرير استمر لأكثر من عقد، وأسفر عن خسائر بشرية كبيرة وتشريد واسع. دراسات وإحصاءات تشير إلى أن الصراع مع الجماعات المسلحة أدى إلى عشرات الآلاف من القتلى عبر السنوات.
ثانياً، تفاقم عصابات "قطاع الطرق" والمافيا المسلحة في الشمال الغربي التي تنشط بعمليات اختطاف ونهب، أسهم في زيادة حالة الانفلات الأمني. ثالثاً، النزاعات المحلية بين رعاة الماشية والمزارعين في وسط نيجيريا تحولت أحياناً إلى نزاع يحمل أبعاداً دينية في الممارسات والتمثلات، رغم أن جوهرها يتعلق بالموارد والأراضي والتغيرات المناخية التي تضغط على سبل العيش، وهذه التداخلات تجعل من الصعب تسييل المشهد إلى وصف وحيد كالاضطهاد الديني الشامل دون دراسة ميدانية دقيقة.
التداعيات الإنسانية المباشرة
الأثر الإنساني واسع النطاق ومتواصل. تقدر وكالات أممية ومؤسسات إنسانية أن ملايين النيجيريين بحاجة إلى مساعدات طارئة، وأن أعداد النازحين داخلياً بلغت رقماً عالياً يفرض استجابة عاجلة من الجهات المانحة والشركاء المحليين، وتشير تقارير موثوقة إلى وجود ملايين النازحين داخلياً بفعل النزاع والعنف المتكرر، إضافة إلى عشرات آلاف اللاجئين والمشردين الذين تأثرت سبل توفير الغذاء والمياه والرعاية الصحية والتعليم لديهم.
الآثار في الأمد القصير تشمل فقدان الأسر للمساكن والدخل، انقطاع خدمات الصحة والتعليم، وخطر تفشي الأمراض في مخيمات غير مجهزة، والأثر الطويل يشمل تدهور مؤشرات الأمن الغذائي، تهميش أجيال جديدة عن التعليم، وزيادة هشة في الفقر وعدم الاستقرار الاجتماعي.
ردود المنظمات الحقوقية والأممية
أصدرت منظمات حقوقية دولية ووطنية تقارير منتظمة توثق انتهاكات وحوادث عنف في مناطق متعددة من نيجيريا، مطالبة بمحاسبة الجناة وحماية المدنيين، وأكدت تقارير أمثال منظمة هيومن رايتس ووتش وأمنستي اتساع نطاق الانتهاكات وضرورة تحقيقات مستقلة ومساءلة فعالة.
المنظمات الأممية الإنسانية أكدت أن القانون الدولي الإنساني وقوانين حقوق الإنسان يضعان على عاتق السلطات الوطنية واجب حماية السكان المدنيين ومنع الانتهاكات، في حالات قد ترتقي فيها أعمال عنف إلى جرائم حرب أو إلى موجات عنف تتضمن "أعمال إبادة" أو "جرائم ضد الإنسانية"، يصبح لسلطات المجتمع الدولي آليات مراجعة ودعوة لفرض تدابير، لكن مثل هذه التصنيفات تتطلب تحقيقات مبنية على أدلة موثقة ومنهجية قانونية.
المنظمات الحقوقية دعت أيضاً الدول الشريكة إلى دعم الحلول السياسية وتعزيز السجلات القضائية والقدرات الأمنية المحلية بدل الحلول العسكرية الخارجية التي قد تؤدي إلى مزيد من التصعيد.
أي تدخل عسكري عبر حدود دولة سيخضع فوراً لرقابة قانونية ودبلوماسية صارمة، بموجب ميثاق الأمم المتحدة، يُعد استخدام القوة عبر حدود دولة أمراً مسموحاً فقط في حال الدفاع عن النفس أو بموافقة مجلس الأمن أو بدعوة من الحكومة المعنية، وإلا فإنه قد ينطوي على خرق للسيادة، وأي عمل عسكري من قبل الولايات المتحدة في نيجيريا بدون تفويض أممي أو موافقة أبوجا سيواجه إدانة دبلوماسية وربما إجراءات قانونية وسياسية على الساحة الدولية، كما أنه قد يزيد من مخاطر التصعيد المسلح ويؤثر في المدنيين بصورة كبرى.
تداعيات سياسية وإقليمية محتملة
تهديدات القوى الدولية بالتدخل العسكري تحول أزمة داخلية إلى مسألة ذات بعد جيوسياسي، وذلك قد يؤدي إلى تصعيد في العلاقات بين نيجيريا والغرب، وإثارة ردود فعل إقليمية من دول الجوار والمنظمات الإقليمية، كما أن استخدام أبعاد دينية في الخطاب السياسي الدولي قد ينعكس على التوترات الطائفية المحلية ويغذي أزمة التطرف، ما يزيد من تعقيد الجهود الرامية لاحتواء العنف عبر حلول أمنية وتنموية وسياسية متكاملة.
تعود جذور جزء من العنف إلى تاريخ امتد عقوداً، بدءاً من النزاعات البدوية والزراعية حول الأرض والمياه إلى بروز جماعات مسلحة مثل بوكو حرام منذ أوائل العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، والتي تحولت لاحقاً إلى مصدر رئيسي للعنف في الشمال الشرقي، ولا تزال أجزاء من البلاد تعاني من تبعات الحرب الأهلية في أواخر الستينات وصراعات هوية وسياسات توزيع الموارد، ما جعل النسيج الوطني هشاً أمام صدمات اقتصادية واجتماعية وسياسية متتالية.
أزمة متعددة الأوجه
الأزمة في نيجيريا متعددة الأوجه وتفرض استجابة متوازنة تجمع بين حماية المدنيين، تحريك آليات المساءلة، وتعزيز السبل التنموية لمعالجة جذور النزاع. وأي عرض لحل عسكري خارجي ينبغي أن يُقيّم أولاً من خلال معايير قانونية ودبلوماسية صارمة، مع مراعاة النتائج الإنسانية التي قد تنتج عنه، وتواصل المنظمات الحقوقية والأمم المتحدة دعواتها لحماية المدنيين وتعزيز التحقيقات المستقلة ومساءلة مرتكبي الانتهاكات، في حين تبقى الحاجة ملحة لجهود شاملة تعالج الأمن والعدالة والتنمية لمنع تحول المزيد من الصراعات المحلية إلى أزمات إنسانية مزمنة.










