"بدر أبو إصليح".. أكاديمي من غزة يصنع الخبز بيديه ويمحو الفقر بالإصرار
"بدر أبو إصليح".. أكاديمي من غزة يصنع الخبز بيديه ويمحو الفقر بالإصرار
لم يكن بدر أبو إصليح يتخيل أن سنوات الدراسة الطويلة والمثابرة الأكاديمية ستنتهي به في فرن صغير بمخيم البريج وسط قطاع غزة، يصنع الخبز بيديه، في حين تتكدس شهاداته العلمية على رفوف يكسوها غبار الحرب حيث لم يجد لها مكاناً في واقع تحطم فيه التعليم.
الدكتور بدر، الحاصل على درجة الدكتوراه في الاقتصاد، يحمل شهادات ماجستير ودورات متقدمة من مؤسسات تعليمية عالمية، وفق ما أوردته وكالة أنباء الأناضول، لكنه وجد نفسه مضطراً لتغيير مساره من قاعات الجامعة إلى الحياة اليومية الصعبة وسط الخراب والدمار الذي لحق بغزة جراء الحرب الإسرائيلية.
التعليم بين الركام
مع الدمار الذي طال الجامعات والمؤسسات التعليمية في غزة، وفقدان العديد من الأكاديميين حياتهم، لم يكن الطريق الذي رسمه بدر سهلاً أو مضمون النتائج، لكنه لم يسمح لهذه الظروف أن تقف حجر عثرة أمام حلمه في خدمة مجتمعه.
التحق الدكتور بدر بعدة برامج أكاديمية مرموقة، منها برنامج المحاسب المالي المحترف في كلية هارفارد، لكنه اختار العودة إلى غزة ليبقى بالقرب من أهله ومجتمعه، مؤكداً أن هدفه كان دوماً "أن أكون بين الناس، أساعد وأعلّم من يستطيع التعلم رغم كل شيء".
البقاء من أجل الأمل
مع تفاقم الضغوط المعيشية، قرر الدكتور بدر البقاء في قطاع غزة، في حين غادرت زوجته وأطفاله المدينة بحثاً عن فرص فُضلى في الخارج، ويقول بدر إن مصر كانت مليئة بفرص العمل، لكن "حلمي كان هنا، أردت أن أعود إلى أهلي ومجتمعي، وأن يكون لي دور بين الناس في غزة"، وفي قلب هذه الظروف القاسية، لم يتخلَّ عن رسالته التعليمية، حتى لو اقتضى ذلك تدريس الطلاب فوق الركام أو داخل خيمة مؤقتة، لأن دوره اليوم لم يعد يقتصر على نقل المعرفة الأكاديمية، بل يمتد إلى تربية الأجيال على الصبر والمثابرة.
التعليم بلا جدران
يرى الدكتور بدر أن مهمته أصبحت تربوية أكثر، متجاوزة الجهد العلمي إلى نقل قيم الصمود والتحمل للأجيال الصغيرة، ويضيف "سنعلّم أطفالنا كيف يصبرون وكيف يحققون أحلامهم، نحن يجب أن نكون المدرسة التي يقرؤونها، حتى لو كانت بلا جدران"، هذه الرؤية تؤكد أن التعليم في غزة اليوم لا يقف عند حدود المناهج والكتب، بل يمتد إلى إكساب الأطفال القدرة على مواجهة التحديات الحياتية وسط صعوبات متزايدة.
قطاع غزة يعاني منذ سنوات من آثار العدوان الإسرائيلي المتواصل، ما تسبب في تدمير واسع للبنية التحتية التعليمية، وفق تقارير الأمم المتحدة، تم تدمير أكثر من عشرين مدرسة وجامعة جزئياً أو كلياً خلال السنوات الأخيرة، في حين فقد عشرات الأكاديميين حياتهم أو غادروا القطاع هرباً من ظروف الحرب والصعوبات الاقتصادية.
هذا الواقع أدّى إلى أزمة تعليمية حادة، حيث يعمل المعلمون والأكاديميون على استدامة التعليم تحت ظروف صعبة، من خلال خيام مؤقتة أو صفوف فوق الركام، في محاولة لإبقاء الأمل حيّاً بين الأطفال والشباب، كما أن البطالة والفقر الناتجين عن الحصار المستمر وانقطاع الدعم الاقتصادي يضيفان أعباء إضافية على الأسر، ما يجعل التمسك بالتعليم والتعلم تحدياً يومياً يحتاج إلى صبر وإرادة كبيرة.










