استخدام الشباك لاعتراض قوارب المهاجرين يشعل الجدل بين باريس ولندن والمنظمات الحقوقية

استخدام الشباك لاعتراض قوارب المهاجرين يشعل الجدل بين باريس ولندن والمنظمات الحقوقية
الهجرة عبر المانش

في خطوة أثارت موجة واسعة من الجدل والانتقادات، كشفت تقارير صحفية أن السلطات الفرنسية تستعد لاختبار أسلوب أمني جديد يقوم على استخدام شباك مخصّصة لتعطيل محركات القوارب التي يستخدمها المهاجرون لعبور بحر المانش باتجاه بريطانيا.

ويأتي هذا الإجراء المثير للقلق في وقت يتصاعد فيه التوتر السياسي والأمني بين باريس ولندن بشأن كيفية التعامل مع الارتفاع الكبير في أعداد الواصلين عبر القوارب الصغيرة، فيما حذرت منظمات حقوقية من أن هذه الخطط قد تعرض حياة المهاجرين للخطر بشكل مباشر، وفق "مهاجر نيوز".

تصاعد المخاوف بعد تقارير صحفية

أفادت صحيفة لوموند ومنظمة لايتهاوس ريبورتس بأن فرنسا تدرس اختبار استخدام شباك تُلقى في المياه لإيقاف عمل مراوح قوارب المهاجرين، في محاولة لعرقلة تحركها ومنعها من الوصول إلى المياه البريطانية، ووفق التقارير فإن الاختبارات قد تبدأ قريبا ضمن إجراءات أوسع لتعزيز الرقابة البحرية بدعم وتمويل بريطاني.

ورغم أن السلطات الفرنسية لم تعلن رسميا عن تبني هذه الآلية الجديدة، فإن التسريبات كانت كافية لإشعال موجة انتقادات واسعة، قادتها منظمات حقوقية رأت في هذه الخطوة تهديدا مباشرا لحياة أشخاص يعبرون البحر أصلا في ظروف شديدة الخطورة.

إدانة منظمات حقوقية ومخاوف من كارثة

منظمة العفو الدولية كانت من أوائل الجهات التي أدانت الخطوة ووصفتها بأنها استخدام متهور لأساليب خطرة طورت أساسا لاعتراض سفن تهريب المخدرات السريعة. وأكدت المنظمة أن تعميم هذه الأساليب على قوارب مطاطية مكتظة ومتهالكة، تقل عائلات وأطفالا يبحثون عن الأمان، قد يؤدي إلى حوادث مميتة ويشكل انتهاكا واضحا للحق الأساسي في الحياة.

وقال توم سوذردن، المدير القانوني لمنظمة العفو الدولية في المملكة المتحدة، إن عبور القناة الإنجليزية بالنسبة للعديد من المهاجرين هو الخيار الوحيد المتاح في غياب مسارات آمنة وقانونية، ورأى أن الرد عليهم بإجراءات قد تودي بحياتهم لا يمكن وصفه بضبط الحدود، بل يجب اعتباره خرقا خطيرا لالتزامات إنسانية وقانونية دولية.

غضب منظمات دعم المهاجرين

منظمة "يوتوبيا 56"، التي تتابع أوضاع المهاجرين في شمال فرنسا، وصفت الإجراء بأنه مهين ومخز، واتهمت السلطات الفرنسية باللجوء إلى أساليب يائسة حفاظا على التمويل البريطاني المتعلق بعمليات مكافحة الهجرة غير النظامية، وأكدت المنظمة أن مثل هذه الإجراءات لا توقف الهجرة بل تدفع المهاجرين إلى ركوب مخاطر أكبر، وتزيد من احتمالات الغرق في أحد أخطر الممرات البحرية في العالم.

في الأشهر الماضية، أثارت لقطات مصورة بثتها هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" موجة غضب واسعة، إذ أظهرت عناصر من الشرطة الفرنسية وهي تقوم بثقب قارب مطاطي بينما كان المهاجرون على متنه في عرض البحر، في محاولة لمنعه من الإبحار نحو بريطانيا، وعلى الرغم من تبريرات السلطات بأن التدخل يهدف إلى منع وقوع كارثة وإنقاذ حياة الركاب، فإن المشاهد صدمت منظمات إنسانية رأت أن هذه الأساليب تزيد الخطر ولا تحد منه.

القانون البحري يحظر التعريض للخطر

في وقت سابق، عبّر المدعي العام في بلدة سانت أومير في تصريحات له عن تحفظات قانونية على أي تدخل بحري قد يعرض حياة الناس للخطر، مشيرا إلى أن القانون البحري يمنع صراحة أي تصرف قد يهدد سلامة الأشخاص في المياه، وأوضح أن السلطات مطالبة بالتحرك عند الساحل وقبل دخول القوارب إلى البحر، وليس بعد إبحارها، لما يحمله ذلك من مخاطر كبيرة.

عودة أرقام الوفيات إلى الواجهة

تشير بيانات رسمية إلى أن ما لا يقل عن سبعة وعشرين شخصا فقدوا حياتهم هذا العام أثناء محاولتهم عبور بحر المانش نحو المملكة المتحدة، ويُعد هذا الممر البحري من أخطر مسارات الهجرة في أوروبا بسبب التيارات العنيفة وبرودة المياه والاستخدام الواسع لقوارب مطاطية غير مؤهلة للإبحار لمسافات طويلة.

قرارات سياسية تزيد الجدل

في نهاية الأسبوع الماضي، أعلنت حكومة حزب العمال البريطانية عن إصلاح جديد يستهدف تشديد سياسات اللجوء والهجرة، في محاولة لردع المهاجرين عن ركوب البحر، ويأتي هذا التشديد في سياق ضغوط سياسية داخلية، حيث أصبح ملف القوارب الصغيرة أحد أبرز العوامل التي تغذي صعود التيارات اليمينية وتؤثر في المزاج العام.

ومنذ بداية هذا العام، وصل أكثر من 39 ألف شخص إلى السواحل البريطانية عبر قوارب صغيرة، وهو رقم تجاوز العدد الإجمالي الواصل خلال العام الماضي، وقد تقدم معظم الواصلين بطلبات لجوء مباشرة فور وصولهم.

تمويل بريطاني ودعوات فرنسية لتغيير العقيدة الأمنية

تعود جذور هذا التعاون بين باريس ولندن إلى معاهدة مكافحة الهجرة غير النظامية التي تم تمديدها حتى عام 2027، حيث تمول بريطانيا جزءا من عمليات المراقبة والتفتيش على الجانب الفرنسي، وخلال هذا العام، دعا وزير الداخلية الفرنسي السابق برونو ريتيلو إلى ما وصفه بتغيير في العقيدة، يسمح للقوات الفرنسية باعتراض القوارب داخل البحر وليس فقط على السواحل.

وبينما ترى باريس أن هذا التعاون ضروري للحد من تدفق المهاجرين، تؤكد المنظمات الحقوقية أن السياسات الحالية أثبتت فشلها وأن الحل يكمن في مسارات آمنة للجوء وتطوير آليات حماية فعالة.

حياة معلقة على حافة الخطر

بالنسبة للمهاجرين، يظل البحر خيارا مفروضا وليس مغامرة طوعية، كثيرون منهم يهربون من العنف أو الحروب أو الاضطهاد أو الفقر المدقع، ويستنفدون كل ما يملكون للوصول إلى الساحل الفرنسي بحثا عن فرصة أمل. غير أن الإجراءات الجديدة، إذا تم تطبيقها، قد تزيد من حجم المخاطر التي يواجهونها، وتضعهم بين نارين الأولى مخاطر البحر والثانية مخاطر تدخلات قد تؤدي إلى غرق القارب في لحظات.

وتحذر منظمات الإغاثة من أن الضغط الأمني على السواحل يدفع المهاجرين للانطلاق في أوقات متهورة أو في ظروف بحرية سيئة أو باستخدام قوارب أكثر هشاشة، ما يؤدي في النهاية إلى ارتفاع الوفيات.

تحديات مستمرة أمام باريس ولندن

رغم الجهود السياسية والتعاون الأمني، لا تزال الحكومتان الفرنسية والبريطانية عاجزتين عن احتواء الظاهرة المتزايدة للقوارب الصغيرة، ويرى مراقبون أن أي الحلول الأمنية مهما بلغت حدتها لن تكون كافية من دون معالجة الأسباب الأساسية للهجرة، وتوفير طرق قانونية للجوء وتفعيل تقاسم الأعباء على مستوى أوروبي أوسع.

يعد بحر المانش أحد أخطر معابر الهجرة في أوروبا، وعلى مدار السنوات الأخيرة ارتفع عدد محاولات العبور بسبب تشديد الرقابة على الطرق البرية، مما دفع آلاف المهاجرين إلى اللجوء للقوارب الصغيرة، وتشارك فرنسا وبريطانيا في اتفاقيات أمنية لاحتواء الظاهرة، لكن أساليب الاعتراض البحرية واجهت انتقادات واسعة لأنها قد تعرّض حياة المهاجرين للخطر. وتؤكد تقارير دولية أن معظم الواصلين عبر القناة يقدمون طلبات لجوء فور وصولهم، وأن غياب المسارات القانونية يدفعهم إلى ركوب البحر رغم مخاطره الكبيرة.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية