أطفال مهددون بالترحيل.. أزمة لجوء تتفاقم في بريطانيا وتحذيرات من معاناة إنسانية

أطفال مهددون بالترحيل.. أزمة لجوء تتفاقم في بريطانيا وتحذيرات من معاناة إنسانية
خيام المهاجرين في الأماكن البريطانية المفتوحة

تواجه بريطانيا أزمة لجوء تتعمق عاماً بعد آخر، مع اقتراب النظام الإداري من نقطة الانهيار تحت وطأة التراكمات والقرارات المتسارعة، وفي ظل خطط وزيرة الداخلية شبانة محمود لإعادة هيكلة شاملة لقواعد اللجوء، حذّر ديوان المحاسبة الوطني الأربعاء من تداعيات إنسانية خطيرة قد تنشأ عن هذه السياسات، وفي مقدمتها ارتفاع معدلات التشرد وفقدان الحماية لآلاف طالبي اللجوء الذين يعيشون أصلاً في ظروف غير مستقرة.

وأشار رئيس ديوان المحاسبة، غاريث ديفيز، إلى أن السياسات الجديدة في بريطانيا، التي تهدف إلى تسريع اتخاذ القرارات وتقليل الطعون، لا يمكن أن تنجح من دون معالجة حقيقية للاختناقات المتراكمة منذ سنوات.

وكشف أن الحكومة تفتقر إلى بيانات دقيقة حول عدد الأشخاص الذين خرجوا من نظام الدعم أو غادروا أماكن إقامتهم بعد رفض طلباتهم، ما يجعل أي تقييم لنتائج السياسات الجديدة أقرب إلى التخمين منه إلى التحليل المبني على معلومات موثوقة، وفق صحيفة "الغارديان" البريطانية.

اختناقات متزايدة وتعطيل

لفت التقرير إلى أن الإجراءات قصيرة المدى التي اتبعتها الحكومات المتعاقبة منذ سنوات أدت إلى ترك آلاف الطلبات من دون حسم، وأن أكثر من نصف طالبي اللجوء منذ نحو ثلاث سنوات ما زالوا ينتظرون القرار، وهذا الانتظار الطويل لا ينعكس فقط على الضغط الإداري، بل يصنع حالة إنسانية مرهقة يعيشها أشخاص فقدوا الاستقرار والقدرة على التخطيط لحياتهم.

الإصلاحات الأخيرة التي أعلنتها وزيرة الداخلية شبانة محمود تضمنت تدابير مثيرة للجدل، بينها إمكانية ترحيل الأطفال مع أسرهم، ورفع فترة الانتظار للحصول على الإقامة الدائمة من خمس سنوات إلى عشرين سنة.

وأثارت هذه التغييرات انتقادات واسعة داخل حزب العمال نفسه، إذ يرى نواب وأعضاء في مجلس اللوردات أن نقل التجربة الدنماركية الصارمة إلى بريطانيا قد يؤدي إلى مستويات غير مسبوقة من الضغط على الخدمات العامة وارتفاع أعداد من سيجدون أنفسهم خارج شبكة الحماية الاجتماعية.

تداعيات إنسانية مباشرة

يؤكد تقرير ديوان المحاسبة أن تسريع إجراءات الترحيل قد يخفف الضغط الإداري لكنه يحمل في الوقت نفسه مخاطر كبيرة، أبرزها زيادة التشرد، ويشير التقرير إلى أن فهم حركة الأشخاص داخل النظام، من الدخول إلى القرار النهائي وما بعده، لا يزال ضعيفاً، وأن أي تغيير سريع في القواعد قد يخلق موجات جديدة من الأشخاص الذين يخرجون من نطاق الدعم من دون خطط بديلة تضمن لهم الحد الأدنى من الحماية.

وكشف التقرير عن وجود فجوات كبيرة في البيانات داخل الوزارات المختلفة، وقالت وزارة الداخلية إنها لا تملك أرقاما دقيقة حول طالبي اللجوء الذين لا يحصلون على أي دعم حكومي، أو الذين اختفوا من سجلات المتابعة، أو عدد الأشخاص الذين يخضعون لإجراءات إنفاذ القانون، أو أسباب فشل عمليات الترحيل، كما لم تتمكن وزارة العدل من توفير بيانات كاملة عن عدد القضايا أمام محكمة الهجرة العليا أو معدلات الطعون المتكررة، ما يجعل عملية صنع القرار تفتقر إلى الحد الأدنى من الأساس المعلوماتي.

قدّر ديوان المحاسبة الإنفاق على نظام اللجوء لعام 2024 2025 بنحو 4.9 مليار جنيه إسترليني، منها 3.4 مليار مخصصة للإقامة والدعم، هذا الإنفاق الضخم لم ينعكس على تحسين جودة النظام، بل رافقه تضخم إداري وارتفاع كبير في تكاليف إدارة السكن المؤقت والفنادق، ما جعل النظام أقل قدرة على الاستجابة وأكثر عرضة لتصاعد التكاليف المستقبلية.

دعوة إلى استراتيجية شاملة

أوصى التقرير بأن تقدم الحكومة قبل نهاية 2026 خطة استراتيجية واضحة لتنفيذ النموذج الجديد، تشمل مؤشرات أداء طويلة الأمد، وتحسين جودة البيانات، وإجراء تحليل دقيق للتكلفة والمنفعة، ويؤكد خبراء أن نجاح الإصلاح لا يمكن أن يتحقق من دون إعادة بناء الثقة بين الحكومة وطالبي اللجوء، وتحسين سرعة القرارات مع الحفاظ على معايير العدالة الإنسانية.

وقال أنفر سليمان، رئيس مجلس اللاجئين، إن النظام لا يعمل كما ينبغي إذا كان الناس ينتظرون شهورا أو سنوات لاتخاذ القرار، وإن السلطات المحلية التي تتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية تعاني نقصا كبيرا في الموارد، وأشار إلى أن استمرار انتظار أكثر من نصف طالبي اللجوء لمدة تجاوزت ثلاث سنوات أمر صادم، وإن إصلاح النظام يجب أن يستند إلى قرارات دقيقة وسريعة وبيانات قوية تحفظ كرامة الإنسان وتقلل من المعاناة.

دفاع عن السياسات الجديدة

أكدت وزارة الداخلية أن الإصلاحات الجديدة، التي تعد الأكبر منذ جيل، بدأت بالفعل تحقيق نتائج، من بينها ترحيل نحو 50 ألف شخص لا يملكون حق الإقامة، وارتفاع اعتقالات العمالة غير القانونية بنسبة 63 في المئة، ومنع أكثر من 21 ألف محاولة عبور بالقوارب الصغيرة خلال العام الحالي.

 وتقول الوزارة إنها تسعى إلى استعادة النظام والرقابة وتقليل الحوافز التي تشجع على دخول المهاجرين غير القانوني، وزيادة عمليات الترحيل لمن لا يملكون حق البقاء، لكن منظمات حقوقية تشدد على أن هذه الأرقام لا تعكس الصورة الكاملة، وأن نجاح أي نظام لجوء يجب أن يقاس بقدرته على حماية الإنسان وليس فقط بتقليص الأعداد.

يخشى خبراء الهجرة أن تؤدي هذه السياسات إلى زيادة حالات التشرد، خصوصا بين الأسر والنساء والأطفال الذين غالبا ما يجدون أنفسهم بلا سكن أو دعم بعد خروجهم من النظام، وفي غياب بيانات رسمية، يصبح من الصعب معرفة حجم الأزمة الحقيقية. وتبرز هنا المخاوف من تحول الأزمة الإدارية إلى أزمة إنسانية واسعة، حيث يعيش طالبو اللجوء في فراغ قانوني وإنساني، غير قادرين على العودة إلى بلدانهم وغير مسموح لهم بالاندماج الكامل في المجتمع البريطاني.

واجه نظام اللجوء البريطاني خلال العقد الأخير ضغوطا متزايدة نتيجة التغيرات السياسية وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وتزايد أعداد الوافدين عبر طرق غير آمنة مثل قوارب القناة الإنجليزية، وقد أدت الإجراءات قصيرة المدى إلى تضخم أعداد الملفات المتراكمة، مع وصول أعداد الانتظار إلى مستويات غير مسبوقة تجاوزت مئات الآلاف.

وتعد الإصلاحات الحالية محاولة لإعادة صياغة النظام بما يشبه النموذج الدنماركي، الذي يعتمد على تشديد شروط الإقامة والترحيل، إلا أن خبراء الهجرة يحذرون من أن هذه المقاربة قد تفاقم الأزمة الإنسانية إذا لم ترفق بتدابير قوية لضمان السكن والحماية القانونية والدعم الاجتماعي، ومع استمرار التوتر السياسي حول قضايا الهجرة داخل أوروبا، تصبح بريطانيا أمام تحدٍ مضاعف يتمثل في إدارة حدودها وتعزيز أمنها دون التضحية بحقوق آلاف البشر الذين يبحثون عن حياة آمنة.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية