استبيان بدل المقابلة.. سياسة جديدة لتسريع ملفات اللجوء تثير جدلاً داخل بريطانيا
استبيان بدل المقابلة.. سياسة جديدة لتسريع ملفات اللجوء تثير جدلاً داخل بريطانيا
كشفت وثائق حكومية بريطانية، الاثنين، أن وزارة الداخلية بدأت في منح بعض طالبي اللجوء حق الحماية دون إجراء مقابلات شخصية، في خطوة تهدف إلى تسريع البتّ في آلاف الملفات المتراكمة داخل نظام اللجوء.
ووفقاً لصحيفة "التلغراف" البريطانية، تعتمد الآلية الجديدة على استبيان تفصيلي يقدمه المتقدم مع أدلته، ليُتخذ القرار بناءً على المعلومات المكتوبة وحدها في الحالات التي تُعد واضحة أو ذات احتمالات قبول مرتفعة.
وتستهدف هذه السياسة بشكل خاص المتقدمين من دول تسجّل معدلات قبول عالية مثل إريتريا والسودان واليمن، في حين يظل بإمكان الوزارة رفض الطلبات التي تبدو أدلتها ضعيفة أو متناقضة.
تحذيرات من داخل النظام
اعتمدت الحكومة السابقة هذه الآلية للتعامل مع تراكم يتجاوز 100 ألف طلب لجوء، غير أن مسؤولين كباراً في قسم اللجوء أعربوا عن قلقهم، مؤكدين أن المقابلات الشخصية أو حتى الافتراضية تشكل عنصراً أساسياً لا يمكن الاستغناء عنه في التحقق من التفاصيل.
وقال أحد كبار موظفي اللجوء إن أي شخص يمكنه ملء النماذج، لكن المقابلة تكشف “لغة الجسد والتفاصيل الدقيقة التي لا تظهر على الورق”، محذراً من أن الاعتماد المفرط على الاستبيانات ينطوي على “مخاطر كبيرة”.
ورفضت وزارة الداخلية هذه المخاوف، مؤكدة أن جميع الطلبات تخضع لعمليات تدقيق مشددة، وأن وجود أي ثغرات أو تساؤلات في الأدلة يؤدي إلى استدعاء صاحب الطلب لإجراء مقابلة إضافية قبل اتخاذ القرار، وأوضحت الوزارة أنها أجرت 92,016 مقابلة تفصيلية بين يناير وسبتمبر، مقارنة بـ 51,370 خلال الفترة نفسها من عام 2023.
بيانات اللجوء والأعباء المالية
خلال العام حتى سبتمبر، سجّل 110,051 شخصاً طلبات لجوء في بريطانيا، منهم 39,294 وصلوا عبر القنال الإنجليزي و41 ألفاً حوّلوا تأشيراتهم إلى طلبات حماية، وقدرت تكلفة استضافة طالبي اللجوء، ومنهم 36 ألفاً في فنادق، بنحو 2.1 مليار جنيه.
ورغم الضغوط، نجحت الوزارة في خفض تراكم الملفات بنسبة 36% ليصل إلى 81 ألف طلب، بعد معالجة 134 ألف طلب أولي خلال عام واحد، في حين بلغت نسبة القبول 45% مقارنة بـ52% في العام السابق.
يتضمن الاستبيان أسئلة حول هوية المتقدم وبلده الأصلي وأسباب مغادرته، ومسار رحلته إلى بريطانيا، وخلفيته التعليمية والوظيفية، ويمكن تعبئته بمساعدة محامين أو منظمات داعمة لطالبي اللجوء.
انتقادات ومقترحات بديلة
اعتبر كريس فيلب، وزير الداخلية في حكومة الظل، أن هذه الآلية قد تسمح بتمرير “طلبات لجوء مزيفة” تقدم بها مهاجرون غير نظاميين، مطالباً بوقفها فوراً.
في المقابل، دعا عمران حسين من مجلس اللاجئين إلى إنشاء نظام مؤقت يمنح إقامة محدودة لمن يُرجَّح حصولهم على اللجوء، مع تشديد الفحوصات الأمنية، بهدف تخفيف الضغط عن نظام الاستضافة وتقليل الاعتماد على الفنادق.
إصلاحات مرتقبة
تقود وزيرة الداخلية شبانة محمود خطة لإصلاح نظام اللجوء تتضمن جعل صفة اللجوء مؤقتة ومراجعتها كل 30 شهراً، مع إمكانية إعادة اللاجئين إلى بلدانهم إذا اعتبرت آمنة لاحقاً.
شهد نظام اللجوء البريطاني خلال السنوات الأخيرة ضغوطاً غير مسبوقة نتيجة زيادة الوافدين عبر القنال الإنجليزي (المانش) وارتفاع أعداد المتقدمين من مناطق الصراع. وواجهت الحكومات المتعاقبة انتقادات بسبب بطء معالجة الملفات وتكدس الفئات الأكثر ضعفاً في الفنادق، ما أدى إلى مطالبات واسعة بإعادة هيكلة النظام وتسريع الإجراءات دون المساس بسلامة التحقق من الطلبات.
وفي عهد حكومة كير ستارمر شهدت سياسة الهجرة واللجوء تحولاً ملموساً يسعى إلى الجمع بين تشديد الضوابط وإعادة تنظيم النظام الإداري الذي عانى لسنوات من التراكم والفوضى، وركزت الحكومة الجديدة على التخلص من سياسات الردع الرمزية التي اتُّهمت بعدم الفاعلية، مثل خطة ترحيل طالبي اللجوء إلى رواندا، لأجل مقاربة تُقدّم الكفاءة والسرعة في معالجة الطلبات.
تطوير مراكز استقبال بديلة
تتبنى الحكومة توجهاً يقوم على تقليص الاعتماد المكلف على الفنادق، وتطوير مراكز استقبال بديلة، وتسريع البتّ في الملفات عبر تحسين القدرات الإدارية ورفع عدد موظفي اللجوء، وفي الوقت ذاته، تشدد على إبقاء المعايير الأمنية عالية، خصوصاً فيما يتعلق بالوافدين عبر القنال الإنجليزي، مع تعهدات بزيادة التنسيق مع فرنسا ودول المنشأ لمعالجة أسباب الهجرة غير النظامية.
وفي جانب اللجوء، تسعى حكومة ستارمر إلى بناء نظام يمنح الحماية لمن يستحقها لكنه يراجع صفة اللجوء دورياً، بحيث لا تبقى إقامة اللاجئين دائمة ما لم تستمر أسباب الحماية، ويأتي ذلك ضمن خطة أشمل لإعادة الثقة العامة في النظام، تقوم على منح قرارات أسرع وأكثر دقة، وتحسين شبكة الاستقبال والدعم، وإعادة ضبط العلاقة بين الهجرة والاقتصاد عبر توجيه مسارات الهجرة القانونية بما يخدم سوق العمل البريطاني.
وتواجه هذه السياسة تحديات مستمرة، بدءاً من ضغط أعداد الوافدين عبر القنال وصولاً إلى الانتقادات الحقوقية التي تخشى أن يؤدي التشديد إلى تضييق غير مبرر على طالبي اللجوء، ما يجعل ملف الهجرة أحد أكثر الملفات حساسية في أجندة حكومة ستارمر.











