«الولاية التعليمية».. معركة حقوقية تخوضها المرأة الأردنية من أجل «حق أطفالها»

أمهات يروين معاناتهن لـ«جسور بوست» وسط مطالب بتعديل القانون

«الولاية التعليمية».. معركة حقوقية تخوضها المرأة الأردنية من أجل «حق أطفالها»
المرأة الأردنية تخوض حربًا من أجل الولاية التعليمية على أطفالها - صورة تعبيرية

في مجتمع يُعتبر فيه دور الأم جوهريًا في بناء الأسرة وتعزيز القيم الاجتماعية، تواجه المرأة الأردنية تحديات قانونية تعيق قدرتها على اتخاذ القرارات التعليمية لأبنائها، ويقف هذا التحدي عقبة رئيسية أمام دورها في تشكيل مستقبل أطفالها وتحقيق المساواة الفعلية بين الجنسين.

وعلى الرغم من التطورات التشريعية التي شهدتها المملكة الأردنية في مجال حقوق المرأة، فإن "الولاية التعليمية" تبقى موضوعًا شائكًا يحدّ من دور الأم في القرارات المتعلقة بتعليم أبنائها، ما يخلّف أثرًا نفسيًا وتعليميًا على الأطفال أنفسهم.

يعطي قانون الأحوال الشخصية الأردني الحق في الولاية التعليمية للأب أو الجد، حتى إن كانت الأم هي الحاضنة، بما يعني أن الأم، حتى لو كانت أكثر دراية باحتياجات أبنائها التعليمية، قد تُجبر على الالتزام بقرارات الأب، الذي يُعطى وحده حق اتخاذ القرار في المسائل التعليمية، كالمدرسة ونوع التعليم، في حالة وقوع خلاف بين الأبوين. 

وتزداد التعقيدات في حالات الطلاق أو الانفصال، إذ قد يُستخدم حق الولاية التعليمية وسيلة للضغط على الأم، مما يحدّ من قدرتها على أداء واجبها تجاه أبنائها في هذه الجوانب الحيوية.

التزامات دولية

بصفته عضوًا في الأمم المتحدة، صادق الأردن على اتفاقيات تضمن حماية حقوق الطفل والمرأة، فالأمم المتحدة، عبر اتفاقية حقوق الطفل، تؤكد أن "مصلحة الطفل الفضلى" يجب أن تكون المعيار الأساسي في جميع القرارات التي تتعلق به، كما تعزز اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، التي صادق عليها الأردن أيضًا، مبدأ المساواة بين الجنسين وتشدد على إزالة كافة العقبات التي تعرقل تمكين المرأة في الأسرة والمجتمع، بما في ذلك تمكينها من اتخاذ قرارات تخص مستقبل أبنائها.

في كثير من الحالات، تعبر الأمهات عن الشعور بالعجز أمام قرارات قد تكون مؤثرة بشكل سلبي على مستقبل أبنائهن، وتدفعهن إلى البحث عن حلول قانونية تكفل لهن المشاركة في هذه القرارات المهمة.

دعوات حقوقية للتغيير

تدعو المنظمات الحقوقية المحلية والدولية، ومنها "هيومن رايتس ووتش"، الحكومة الأردنية إلى إجراء تعديلات على قوانين الأحوال الشخصية، بحيث تمنح الأمهات الحق في مشاركة الآباء في القرارات التعليمية. 

وترى هذه المنظمات أن السماح للمرأة بالمشاركة في القرارات الخاصة بمستقبل أبنائهن يسهم في تحقيق العدالة داخل الأسرة، ويحافظ على مصلحة الطفل باعتبارها الأساس في أي قرار تربوي.

وروت العديد من الأردنيات قصصهن مع الولاية التعليمية، حيث أكدت الكثيرات منهن أنهن تعرضن للتهميش وحرمن من اتخاذ قرارات تتعلق بتعليم أبنائهن، حتى في حالات تكون فيها ظروف الأب غير مناسبة لتحمل المسؤولية التعليمية. 

وتكشف هذه القصص عن حجم المعاناة النفسية والاجتماعية التي تتحملها الأمهات، وأثر ذلك على أطفالهن الذين يتضررون من الخلافات الناتجة عن القوانين الحالية.

تهديد مستقبل الأطفال

وروت سعاد (اسم مستعار بناءً على طلبها)، قصتها المليئة بالتحديات حول مسار تعليم بناتها بعد أن وصلت الخلافات بينها وبين زوجها إلى نقطة اللاعودة، قائلة: "كانت الخلافات بيننا تتعلق دائمًا بمسار تعليم البنات، بدأ الأمر عندما أراد زوجي نقلهن من مدرسة خاصة، إلى مدرسة حكومية، وكنت قلقة للغاية على نفسيتهن، فالفتيات كنّ مرتبطات بمدرستهن ولم أكن أرغب في التسبب بأي صدمة لهن".

وتابعت "سعاد" بنبرة حزينة: "خلال الفصل الدراسي الأول، وبدون علمي، ذهب والدهن إلى المدرسة ونقل الفتيات إلى مدرسة حكومية، حتى فوجئت بالقرار، وعندما رفضن الذهاب للمدرسة الجديدة، بدأ مسارهن التعليمي يتعطل، ولم أكن أستطيع الوقوف مكتوفة الأيدي، خاصة بعد أن بدأ التأثير يظهر على نفسيتهن".

لم يكن أمام سعاد خيار سوى اللجوء للقضاء، فقررت توكيل محامٍ لاستعادة الولاية التعليمية على بناتها، بشرط أن تتكفل هي بكافة مصاريف الدراسة في المدرسة الخاصة، دون أن يتحمل الأب أي أعباء إضافية، تقول سعاد: "يستغل بعض الآباء هذه النقطة لصالحهم، فبدلاً من التفكير في مصلحة الأطفال، يسعون فقط لتجنب أي مصاريف إضافية غير النفقة".

بعد سلسلة من الإجراءات القانونية، نجحت سعاد في إعادة بناتها إلى المدرسة الخاصة، حيث تتحمل كافة التكاليف، تقول سعاد إنها تشعر بالارتياح لأن بناتها عدن إلى بيئتهن الدراسية المناسبة، ولكنها تأمل أن تتغير القوانين لتوفير حماية أفضل للأطفال والأمهات في مثل هذه الحالات.

معاناة للأمهات وتهديد للأطفال

أكدت المحامية تالا حليق، أن الولاية التعليمية في الأردن تُعد من القضايا الحساسة التي تتعلق بحق تمثيل الطفل وإدارة شؤونه التعليمية، حيث تمنح الولاية للأب أو الجد في حال غياب الأب، وفقًا لأحكام الولاية في الشريعة الإسلامية. 

وأشارت حليق في حديثها لـ"جسور بوست"، إلى أن الأمهات يُمنحن فقط حق الحضانة، مما يعني أنهن لا يملكن الصلاحية لإدارة الشؤون التعليمية مثل استخراج جواز السفر أو تقديم طلبات التعليم والعلاج دون موافقة ولي الأمر، حتى ولو كان الأب غير مؤهل، وهذه الولاية لا تنتقل للأم إلا عبر قرار المحكمة، وغالبًا ما تكون الإجراءات معقدة وطويلة، وقد لا تؤدي في النهاية إلى منح الأم هذه الولاية.

وأضافت "حليق"، أن هناك العديد من القوانين التي تضمن حق الطفل في التعليم، مثل الدستور الأردني وقانون حقوق الطفل، الذي يلزم والدي الطفل أو الشخص الموكل برعايته بإلحاقه بالتعليم الإلزامي، ويتيح لولي الطفل المشاركة في القرارات المتعلقة بوضعه الدراسي. ومع ذلك، أشارت حليق إلى أن التعديل الذي طرأ على نص المادة 17 من مشروع قانون الطفل حرم الأم من دورها في توجيه الطفل وحضور الاجتماعات المدرسية، وهو ما يراه البعض انتقاصًا من دور الأم الرئيسي في التربية.

وأوضحت أن التعديل الذي أُجري على قانون العقوبات عام 2017، جاء استجابة لحادثة وفاة طفلة نتيجة تعنت والدها في الموافقة على إجراء عملية جراحية لها، وبناءً على ذلك، منح المشرع الأم الحق في الموافقة على العمليات الجراحية، كما أُعطيت الأم في قانون الأحداث الحق في تقديم الشكاوى نيابة عن الحدث، نظرًا لغياب الأب أو في حال كان هو المعتدي.

وقالت "حليق"، إن الولاية تبقى للأب حتى في حال كانت الأم هي الحاضنة، ولا تنتقل إليها إلا بإجراءات قضائية طويلة ومعقدة، وهذا الوضع يعكس، عدم المساواة بين الأب والأم في موضوع الولاية التعليمية، ما يعكس ثغرة قانونية تستوجب المعالجة.

وفي ما يتعلق بالنصوص القانونية، أوضحت المحامية الأردنية، أن قانون الأحوال الشخصية ينص على أن حضانة الأم تستمر حتى يبلغ الطفل الخامسة عشرة، ولغير الأم حتى العاشرة، كما يُعطى الحق للطفل في اختيار البقاء مع الأم حتى بلوغه سن الرشد، وتبقى للأب الولاية في ما يتعلق بالقرارات التعليمية والإشراف على شؤون الطفل.

تأثيرات نفسية وعلمية

قالت الناشطة الحقوقية، منال كشت، مؤسسة حملة "رعاية مشتركة": "تواصلنا مع عدد من النواب والمؤسسات التي أبدت دعمها لمطالبنا في تعديل القانون وإسناد حق الولاية التعليمية للأمهات، لكننا فضلنا تأجيل الحراك إلى حين بدء أعمال مجلس النواب الجديد، لتنسيق الجهود بشكل فعال مع جميع الأطراف ذات العلاقة".

وأضافت "كشت"، في تصريحات لـ"جسور بوست"، إن غياب الولاية التعليمية المشتركة يلقي بظلاله الثقيلة على حياة الأطفال النفسية والتعليمية، فالأمهات غالبًا ما يكنّ الأقدر على التواصل مع المدارس وفهم احتياجات أطفالهن، وحرمانهن من هذا الحق يؤدي إلى مشاكل تؤثر على نمو الطفل ومستقبله".

واختتمت كشت، بقولها: "يجب إعادة النظر في التشريعات المتعلقة بالولاية التعليمية، لضمان تحقيق مصلحة الطفل، فمنح الأمهات حق المشاركة في القرارات التعليمية من شأنه أن يعزز استقرار الأطفال النفسي والتعليمي، ويجنبهم الآثار السلبية الناتجة عن الخلافات بين الأبوين".

تعديل القانون ضرورة

أكدت المحامية مريم كلبونة، أن الاتفاقيات والمعاهدات الدولية وضعت الأساس لحماية الحق في التعليم، إذ تناولت مواثيق عديدة هذا الحق، منها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، واتفاقية حقوق الطفل، ورغم توقيع الأردن وتصديقه على هذه الاتفاقيات، لم يجر أي تعديل قانوني على التشريعات المحلية لضمان حقوق المرأة في الولاية التعليمية.

وأشارت "كلبونة"، في تصريحات لـ"جسور بوست"، إلى أن الاتفاقيات الدولية المعنية لا تميز بين الرجل والمرأة في حق الولاية التعليمية، حيث تتيح لكل من الأبوين مسؤولية متساوية تجاه تعليم أطفالهم، ومع ذلك، فإن قانون الأحوال الشخصية الأردني ما زال يحد من حق المرأة في الولاية التعليمية، مما يضع عراقيل أمام الأمهات اللاتي يرغبن في ممارسة هذا الحق.مسؤولية مشتركة

وأكد عميد كلية الشريعة في جامعة جرش، الدكتور حسن شموط، أن تعليم الأطفال مسؤولية مشتركة بين الوالدين، ويختلف دور كل واحد منهما، فقد جعلت الشريعة الولاية التعليمية للأب، لكن لا يستغنى عن الأم في المتابعة والإشراف والتوجيه، فالأب هو من يختار المدرسة لأن ذلك مرتبط بقدرته على النفقة، وقدرته على دفع الرسوم الدراسية وغيرها، لكن في المقابل لا يجوز له كما نص على ذلك قانون الأحوال الشخصية أن يتجاوز مكان وجود الطفل إذا كان عند أمه.

وأضاف د. شموط، في تصريحات لـ"جسور بوست"، أن السبب الذي جعل الفقهاء يعتبرون الولاية التعليمية للأب أنها تدخل في موضوع التأديب الأساسي وهو من حق الأب، ومرتبطة أيضا بالنفقات، والذي يتكفل بالنفقة هو الأب، وولاية الأب هي ولاية على النفس، أما ولاية الأم فهي تدخل في باب الحضانة من تربية وتأديب وغيرها من أمور. 

وتابع: الفقهاء متفقون على أن حق تعليم الطفل هو تابع للولاية على النفس وليس تابعا للحضانة، فلو افترضنا أن الحضانة كانت عند غير الأم؛ كأن تكون عند الجدة أو عند الخالة فلا يعني ذلك أن نجعل لها ولاية التعليم.

وقال د. شموط، إن الفقهاء اتفقوا على أن ولاية التعليم تتبع الولاية على النفس وأن التعليم من مسؤوليات الأب حتى لو كان المحضون في حضانة أمه المطلقة، أما في حال تقصير من عليه الولاية التعليمية فهنا لا بد من مراعاة حق الطفل بالتعليم فتنتقل الولاية في هذه الحالة إلى من يقوى عليها، فإذا امتنع الأب -مثلا- عن تعليم أبنائه وإدخالهم المدارس فتنتقل الولاية في هذه الحالة إلى عصب آخر قادر على أن يراعي ويتابع مثل هذا الموضوع ولا يحرم الصغير من حقه من التعليم. 

واختتم حديثه، قائلا: "القضية ليست مرتبطة بموضوع الحق في التعليم أو عدمه، إنما الموضوع مرتبط بمسألة الإنفاق بشكل أكبر، فاليوم إذا أصرت الحاضنة على أن تضع ابنها في مدرسة خاصة برسوم مرتفعة فإن الأب قد لا يكون قادرا على ذلك، وبالتالي فإلزامه بدفع تلك الرسوم دون أن يملك حق الاختيار غير جائز.

أثر الولاية التعليمية على الأطفال

وقالت سحر فياض، مديرة إحدى المدارس الحكومية، إن الولاية التعليمية تعود في الأصل إلى الأب، إلا أن الأم تضطلع بمتابعة شؤون أبنائها التعليمية حين يكونون في حضانتها، وبالنسبة للمسائل الإدارية، كالنقل من مدرسة لأخرى، تظل بيد ولي الأمر (الأب) وتحتاج لقرار من المحكمة لتحديد الجهة المسؤولة التي تتواصل معها المدرسة رسميًا.

وأشارت "فياض"، إلى أن الانفصال يولد نزاعاً مستمراً بين الأب والأم بشأن تعليم الأطفال، ويتحول هذا النزاع أحيانًا إلى خلافات انتقامية تؤثر سلبًا على مستوى الأطفال الدراسي وصحتهم النفسية، إذ يعمد طرف إلى نقل الأبناء إلى مدارس مختلفة بشكل مفاجئ، مما يخلق إشكاليات وتعقيدات تؤثر على استقرار البيئة التعليمية لهم.

وأكدت سحر فياض، في تصريحات لـ"جسور بوست"، أن الطفل يكون أول ضحايا النزاع في حالة الانفصال؛ إذ قد يلقي الأب مسؤولية التعليم والرعاية على الأم، في حين تجد الأم نفسها منهكة بعملها، وهذا الوضع يؤثر بشكل مباشر على مستوى الطالب الأكاديمي وقدرته على اكتساب المهارات الأساسية، ما ينعكس على حالته النفسية واستقراره الاجتماعي.

وأشارت إلى "أهمية التعاون بين الوالدين في تقسيم المسؤوليات تجاه الأطفال، فالاتفاق على دور كل طرف يسهم في تحسين مستوى الطفل التعليمي وتطوير حالته النفسية، وكلما توحدت جهود الأبوين وتركا الخلافات جانبًا، كان الوضع النفسي والأكاديمي للطالب أفضل بكثير".

وقالت "فياض"، إن التفاهم بين الأبوين هو الأساس لاستقرار الطفل، والمدارس تسعى دائماً للتوسط بينهما، بما يضمن التركيز على مصلحة الطفل أولاً وتفادي أي أثر سلبي على تعليمه وحياته النفسية.

مطالبات بولاية تعليمية متساوية

وقالت الدكتورة نهلا المومني، مفوض الحماية في المركز الوطني لحقوق الإنسان، إن قانون الأحوال الشخصية نص على أن ولي الصغير هو والده ثم وصي أبيه ثم الجد الصحيح ثم وصي الجد ثم المحكمة أو الوصي الذي نصبته المحكمة، وفي هذا الصدد أوصى المركز بأن تكون الولاية والوصاية للأم والأب على حد سواء.

وأشارت "المومني"، في تصريحات لـ"جسور بوست"، إلى أن المركز رصد حالات تقييد صلاحية الأم في الولاية التعليمية واختيار مدارس أبنائها أو نقلها منهم، فتستطيع الأم تسجيل أطفالها لغايات التعليم، إلا أن صلاحيتها اللاحقة مقيدة من حيث النقل من مدرسة لأخرى إلا بموافقة الأب أو الوصي، بالإضافة إلى أنها لا تملك حق التصرف في أي مبالغ مالية مما يرثه الأطفال لغايات دفع الرسوم التعليمية إذا اقتضى الأمر إلا بموافقة الوصي.

وقالت "المومني"، إن هذه التحديات والإشكاليات تتعارض ومبدأ مصلحة الطفل الفضلى وهو من المبادئ الجوهرية التي نصت عليها اتفاقية حقوق الطفل.

وأضافت، أن المركز الوطني لحقوق الإنسان يرى ضرورة تعديل المنظومة التشريعية ذات العلاقة بالأطفال بما يضمن التناغم في ما بينها وتحقيق مبدأ مصلحة الطفل الفضلى في ما يتعلق بحقه في التعليم.
 
 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية