ضربات إسرائيلية على محطات كهرباء ونفط تفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن
ضربات إسرائيلية على محطات كهرباء ونفط تفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن
أعلنت مصادر تابعة لجماعة الحوثي في اليمن أن الغارات الجوية الإسرائيلية التي نفذت على مواقع متفرقة في العاصمة صنعاء أسفرت عن مقتل 6 أشخاص وإصابة 86 آخرين، بينهم 7 أطفال وثلاث نساء، إضافة إلى تدمير واسع في منشآت حيوية، بينها محطات لتوليد الكهرباء ومستودعات نفطية، فيما تبادل الطرفان الاتهامات بتصعيد الهجمات وردود الفعل العسكرية وسط أزمة إنسانية حادة يشهدها سكان اليمن جراء الحرب والنزاع.
يتصل هذا التصعيد بسلسلة من الهجمات والردود المتعاقبة منذ توسع رقعة الصراع الإقليمي بعد اندلاع الحرب في قطاع غزة أواخر 2023، وما أعقبها من إعلان جماعة الحوثي في اليمن تنفيذ هجمات صاروخية وطائرات مسيرة ضد أهداف داخل إسرائيل، بما في ذلك إعلان عن إطلاق ما وصفته قيادة الجماعة بصاروخ باليستي متطور حمل رؤوساً متشعبة، وبررت إسرائيل ضرباتها بأنها استجابة واستهدافٌ لـ"مواقع عسكرية وبنى تحتية تُستخدم لدعم الهجمات" على أراضيها، بينما تؤكد جماعة الحوثي مواصلة عملياتها ردّاً على ما تسميه عدواناً على الفلسطينيين.
أرقام ضحايا أولية
أفادت تقارير بأن الضربات الإسرائيلية الأخيرة على اليمن يوم أمس الأحد شملت عدة مواقع في صنعاء من بينها محطة حزيز لتوليد الكهرباء ومحطة لشركة النفط في شارع الستين ومواقع قرب المجمع الرئاسي، وتحدثت مصادر صحفية ومؤسسات إعلام المجموعة عن سقوط قتلى وجرحى وإصابات بين المدنيين واندلاع حرائق أدت إلى انقطاع التيار في أحياء واسعة، وأشارت الأرقام الأولية التي أوردتها جهات محلية إلى عشرات القتلى والجرحى من المدنيين، مع حالات حرجة تتطلب نقلًا طبيًا عاجلاً.
حتى قبل هذا التصعيد كان اليمن يعاني كارثة إنسانية واسعة النطاق؛ ففي 2025 يحتاج نحو 19.5 مليون شخص إلى مساعدات إنسانية وحماية، ويواجه ملايين السكان انعدام الأمن الغذائي والمخاطر الصحية، مع نزوح داخلي واسع وتدهور للخدمات الأساسية والقدرة الاستشفائية، وأي إضرار إضافي بالبنية التحتية لكهرباء ووقود ومياه يزيد مباشرة من معاناة المدنيين ويعرقل وصول الإمدادات الإنسانية ويعظم خطر انتشار الأمراض والتجويع، وفق وكالات الأمم المتحدة.
استهداف محطات الكهرباء ومخازن الوقود لا يقتصر أثره على خسائر مادية آنية، بل ينعكس في توقف المستشفيات عن العمل، تعطل شبكات المياه والصرف، وإعاقة عمل منظومات التخزين والتوزيع للغذاء والدواء، وفي بلد تشكّل فيه المساعدات الخارجية شرياناً للحياة، فإن انقطاع الطاقة والوقود يعني تعطلاً فورياً لمسارات الإغاثة وارتفاعاً في معدلات النزوح الداخلي، ويزيد من هشاشة السكان الأكثر ضعفاً كالأطفال والمرضى وكبار السن، بحسب برنامج الأغذية العالمي.
ردود الفعل الحقوقية
منظمات حقوقية دولية وأممية كررت التحذير من تبعات استهداف البنية المدنية ونددت بالهجمات التي تسفر عن إصابات بين المدنيين، وطالبت بتحقيقات مستقلة في كل حادث يُسجل فيه أضرار مدنية كبيرة، وربطت منظمات مختصة سابقاً بين استهداف البنية التحتية المدنية وعدم احترام مبادئ القانون الدولي الإنساني، ودعت إلى حماية المرافق الأساسية والامتناع عن إجراءات تزيد من تفاقم الأوضاع الإنسانية، كذلك أعربت جهات أممية واللجنة الدولية للصليب الأحمر عن قلقها من تصاعد العمليات العسكرية التي تؤثر على وصول المساعدات وإمكانيات عمل المنظمات الإنسانية.
ينص القانون الدولي الإنساني على مبدأ التمييز بين أهداف عسكرية وأهداف مدنية وعلى قاعدة التناسب التي تمنع هجمات ينتج عنها ضرر مدني يتجاوز الفائدة العسكرية المتوقعة، وتعريف البنى التحتية كأهداف عسكرية يتطلب إثبات غلبة الاستخدام العسكري عليها، وإلا فإن استهدافها قد يرقى إلى اعتداء على المدنيين، ودعت مؤسسات قانونية وإنسانية دولية مراراً إلى احترام هذين المبدأين وفتح تحقيقات حين تسجل هجمات أدت إلى أضرار مدنية واسعة.
خطر التوسّع الإقليمي والاقتصادي
التصعيد بين إسرائيل والحوثي يخرج الملف اليمني من دائرة النزاع المحلي إلى ساحة إقليمية أوسع، مع مخاطرة بتعطيل حركة الملاحة في البحر الأحمر وتأثيرات على خطوط الإمداد والتجارة العالمية، كما أن تكرار ضرب المرافق الحيوية يضعف الاقتصاد الوطني ويطرد مزيداً من العائلات إلى فقر مدقع، ما يعمّق دورة العنف والفقر ويصعّب لاحقاً أي جهود إنعاش أو تسوية وفق "أسوشيتدبرس".
منذ سيطرة جماعة الحوثي على العاصمة عام 2014-2015 دخلت اليمن في حرب متعددة الأطراف تضم تحالفات إقليمية، وانهارت مؤسسات الدولة بشكل كبير، ما أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية على مدى عقد، وقد حولت احتجاجات ومواجهات وتحولات إقليمية لاحقة اليمن إلى ساحة تأثير بين قوى إقليمية، ومع اتساع عمليات الرد والرد المضاد منذ 2023 أصبحت البلاد أكثر عرضة لتداعيات أي تصعيد إقليمي.
الوقائع الأخيرة تؤكد أن أي تصعيد إضافي سيقوّض ما تبقّى من قدرة المدنيين على الصمود ويعوق العمل الإنساني، والمطلوب وفق اللجنة الدولية للصليب الأحمر خطوات ملموسة من جميع الأطراف تشمل ضمان حماية المدنيين والمرافق المدنية، وفتح ممرات إنسانية آمنة دون عراقيل، وإجراء تحقيقات مستقلة في حوادث تعطيل الخدمات أو سقوط ضحايا مدنيين، ووقف التبادل العسكري الذي يهدد بتوسيع رقعة الصراع إلى ما هو أبعد من حدود اليمن.