بين رفض باكستاني ومناشدات أممية.. قرار ترحيل اللاجئين الأفغان يشعل الجدل القانوني والإنساني
بين رفض باكستاني ومناشدات أممية.. قرار ترحيل اللاجئين الأفغان يشعل الجدل القانوني والإنساني
أعلنت وزارة الخارجية الباكستانية، عبر المتحدث شفقت علي خان، يوم الجمعة، رفضها لنداءات الأمم المتحدة بوقف عمليات ترحيل اللاجئين الأفغان، وأكدت أن سياسة الإعادة إلى الوطن ستمضي قدمًا وفق خطة الحكومة، وأنه لن يوجد تعليق للعملية، مشددة على أن البلاد تحتفظ بسياسة تأشيرات مرنة وكريمة للأفغان الداخلين بطرق قانونية.
جاء ذلك رداً على دعوات من المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي، إلى تأجيل ترحيل اللاجئين نتيجة الزلزال المدمر الذي ضرب محافظة كونار الأفغانية شمال شرق البلاد، ما تسبب في نزوح آلاف المدنيين، ما أكسب الموقف بعدًا إنسانيًا طارئًا وشارك في هذا النداء المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان في أفغانستان، ريتشارد بينيت، محذراً من تداعيات إنسانية خطِرة على الأسر الضعيفة حال استمرار الطرد الجماعي بحسب ما ذكرته وكالة الأنباء الألمانية.
وتستضيف باكستان نحو 1.55 مليون لاجئ أفغاني مسجل حتى مطلع 2025، بالإضافة إلى نحو 600 ألف آخرين من ذوي الإقامة غير النظامية، وفق بيانات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وأطلقت باكستان خطة "عودة الأجانب غير الشرعيين" في مارس، وتم توسيعها لتشمل حاملي كرت "برهان التسجيل" (PoR)، ما يعني أن أكثر من 1.4 مليون أفغاني معرضون للترحيل عند انتهاء صلاحية هذه الوثائق التي مدّدت حتى يونيو 2025.
حتى الآن، وعبر مراحل متعددة، تم ترحيل ما يزيد على 910 آلاف أفغاني نتيجة هذه الخطة حتى أبريل 2025. أكثر من مليون أفغاني عادوا طواعية أو قسراً من باكستان منذ 2023، مع توقعات بعودة إضافية تزيد على 600 ألف شخص خلال 2025.
دوافع القرار الباكستاني
تروّج الحكومة الباكستانية لقرارات الترحيل ضمن إطار ممارسة سيادتها وتنفيذ قانون الهجرة، معتبرة أن ترحيل المهاجرين والنازحين يشمل جميع الأجانب غير الشرعيين وليس اللاجئين فقط، وأنه يأتي في سياق مكافحة الإرهاب، كما تشير إلى أن تمديد إقامة حاملي كرت "برهان التسجيل" لستة أشهر إضافية جاء في إطار مراعاة الحالة الإنسانية، رغم أن الترحيل لا يزال الإجراء النهائي.
جلست مؤسسات مثل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والمنظمة الدولية للهجرة على خط تماس مباشرة مع السلطات الباكستانية، داعية إلى احترام مبدأ عدم الإعادة القسرية، وإتاحة العودة الطوعية، خاصة للأجيال التي تربّت في باكستان.
منظمات حقوقية مثل هيومن رايتس ووتش وأمنستي إنترناشونال نددت بترحيلات المهاجرين والنازحين، ووصفتها بأنها انتهاك صارخ للقانون الدولي للاجئين، خاصة في حالة النساء والفتيات الناشئات في أفغانستان، وناشطات حقوقيات، وصحفيات، ومهنيين تعرضوا للخطر بعد العودة، وأظهرت تقارير المراقبة حالات اعتقال تعسفي للعائدين ومواجهتهم خطراً حقيقياً، في بلد لا يزال فيه جهاز الأمن يلاحق المعارضين ويستهدف النساء، وفق بيانات الأمم المتحدة.
أما تقارير إعلامية مثل الصحافة الدولية، فقد رصدت عائلات أفغانية تحمل بطاقة تسجيل رسمية تُجبر على مغادرة منازلها وترك مدخراتها، في حين ينام معظمهم في الحدائق العامة قرب العاصمة إسلام آباد، قابعين تحت المطر، بدون مياه أو غذاء كافٍ، في واحدة من أكثر المشاهد الإنسانية قسوة في كوريدور اللاجئين العالمي.
القانون الدولي
بحسب اتفاقية جنيف الخاصة باللاجئين لعام 1951 ومبدأ عدم الإعادة القسرية، يُمنع الدول من إعادة اللاجئين إلى دول قد يتعرضون فيها للاضطهاد أو الأذى، وتؤكد قرارات الأمم المتحدة أن الإجراءات الجماعية التي لا تراعي الوضع الفردي للاجئ تشكل انتهاكاً صريحاً، كما يدعو القانون إلى توفير الحماية المؤقتة في حالات الكوارث الطبيعية أو النزاعات، وهو ما تنادي به المفوضية لضمان ألا يُدفع اللاجئون نحو مناطق خطرة.
باكستان كانت أول دولة تحتضن اللاجئين بعد الغزو السوفيتي لأفغانستان في ثمانينيات القرن الماضي. فطالما احتفت بسمعة "ضيفة الكل" رغم مقتضيات الانقلاب العسكري واتساع موجات الهجرة، وانعدمت السياسات التمييزية تجاه الأفغان حتى نتائج سيطرة طالبان عام 2021، والتي أثارت قلقاً داخليًا وزادت من حدّة الاصطدام بين حاجات الاستيعاب والضغوط الأمنية والاقتصادية.
منذ ذلك العام، شهدت إعادة تصنيف طالبي اللجوء وعدم الاستمرارية في التمديد الإنساني، وصولًا إلى خطة الترحيل الحالية التي تعدّ الكبرى منذ عقود، كما لعبت السياسة الأمريكية والضغط الاقتصادي دورًا في تفاقم الوضع، خاصة بعد إعلان وقف برامج إعادة التوطين، وقطع دعم اللاجئين في الغرب، ما زاد من الأعباء المالية والبشرية على باكستان.
التداعيات والسيناريوهات المقبلة
التمسك الباكستاني بخطة الترحيل يكشف أزمة مزدوجة على المستوى الداخلي تؤجج مخاوف التصعيد غير الإنساني، وتشرد آلاف الأسر، وعلى المستوى الدولي تضع باكستان في مواجهة دبلوماسية مع المجتمع الدولي وتهديدات قانونية.
ومن ناحية أخرى، العودة المتسرعة للاجئين إلى أفغانستان التي تشهد زلزالاً وكوارث مركبة، يمكن أن تؤدي إلى موجة نزوح جديدة وتفاقم الأزمات الإنسانية.