تفكيك الديمقراطية المؤقتة.. كيف تقوض القوانين الجديدة الانتقال المدني في مالي؟
تفكيك الديمقراطية المؤقتة.. كيف تقوض القوانين الجديدة الانتقال المدني في مالي؟
حذر المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة فولكر تورك من تفاقم الأزمة الحقوقية في مالي، مستنكراً سلسلة من الإجراءات القانونية التي تُقوّض الحقوق المدنية والسياسية للمهتمين والمواطنين.
جاء ذلك بحسب ما أوردته شبكة "jurist news" يوم السبت، بعد أن أصدرت الحكومة العسكرية الانتقالية مجموعة من القوانين والمراسيم التي صعدت من القمع السياسي منذ انقلابَي 2020 و2021، وعطّلت عملية الانتقال إلى الحكم المدني.
في 13 مايو 2025، أصدر رئيس المجلس العسكري، الجنرال أسيمي غويتا، قراراً بحل جميع الأحزاب السياسية والمنظمات ذات الطابع السياسي، وفرض حظراً على نشاطها والاجتماع بها، في خطوة وصفها المكتب الأممي بأنها "صارخة" وانزلاق نحو قمع منهجي للمعارضة.
في يونيو، أقرّ البرلمان العسكري مشروعاً يقضي بمنح غويتا ولاية رئاسية مدتها خمس سنوات قابلة للتجديد دون الحاجة إلى انتخاب، ما يشير إلى تحويل المسار السياسي من حكم انتقالي في مالي إلى نظام استبدادي مطلق.
المفوضية ترفع الصوت
تحت وطأة هذه التطورات، طالب فولكر تورك بإلغاء هذه القوانين الجائرة فوراً، وأكد إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين دون قيد أو شرط، داعياً إلى احترام العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي يكفل حرية التعبير والتجمع والمشاركة السياسية.
وتشكل هذه الإجراءات القانونية البداية الحقيقية للحد من "الفضاء المدني"، ما يعزز احتمال الانزلاق نحو قمع دائم، كما دعا تورك إلى التحقيق العاجل والشفاف في حالات اختفاء معارضين وأحداث اختطاف، وإلى محاسبة المسؤولين.
ردود فعل حقوقية
من "العفو الدولية" جاء التحذير بأن إلغاء الأحزاب السياسية واللوائح الدستورية يمثلان انتهاكاً صريحاً للدستور الانتقالي لعام 2023، فضلاً على تعارضه مع التزامات مالي الدولية، مثل العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والميثاق الإفريقي للقضاء على التمييز.
كما أصدر برلمان الاتحاد الأوروبي قرارًا يدين بشدة قرارات مالي، ويطالب بإعادة الاعتبار للحقوق الأساسية وتقديم خريطة طريق لعودة الحكم المدني والإفراج عن المعتقلين سياسياً.
مالي بلد هش منذ فترة طويلة على وقع النزاعات الداخلية وعمليات التمرد الإسلامي في الشمال، وقد شهدت تدهوراً إضافياً بعد انسحاب MINUSMA (قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة) في 2022، وتورط مجموعات أمنية مدعومة من "فاغنر" في ارتكاب فظائع بحق المدنيين.
وفي ظل توسّع قوة الجماعات المسلحة وبطء الانتقال الديمقراطي، زادت المخاوف من أن يأتي تثبيت السلطة العسكرية بذريعة مكافحة الإرهاب على حساب حرية الأفراد والمجتمع المدني.
تداعيات محلية وإقليمية
المواطنون المدنيون في مالي يعيشون اليوم في حالة من القلق، إذ جُمّد العمل السياسي، وقُيدت حرية التعبير، وتحدثت تقارير عن اختفاء سياسيين وروّاد مجتمع مدني، فقد وثقت المنظمة الإفريقية للمراقبة الأمنية حالات اعتقال تعسفي داعية إلى تصحيح المسار وتمكين المجتمع المدني.
إقليمياً، فإن أزمة مالي تتداخل حقوقياً وأمنياً مع دول الساحل المجاورة التي تخشى انتقال النموذج الاستبدادي والتشجيع على قمع المعارضة.
وأوصى مراقبون ومنظمات حقوقية بأنه على السلطات الانتقالية المالية إعادة قانونية المجتمع المدني، بما يشمل إلغاء مرسوم حل الأحزاب والتحضير الفوري لانتخابات حرة ونزيهة، وأنه ينبغي على المجتمع الدولي أن يدعم بنشاط مبادرات حفظ حقوق الإنسان، والخطوات نحو العدالة الانتقالية، وربما فرض عقوبات مستهدفة إذا استمر تدمير الفضاء السياسي بجانب أن المجتمع المدني المالي يحتاج إلى حماية فعالة وضمانات لحرية التعبير والتجمع، خاصة للنساء والشباب والناشطين في حقوق الإنسان.
وأكدوا أنه ينبغي تتبع تنفيذ توصيات الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، وقياس قدرة المعارضة الحقيقية على العودة للمشهد السياسي، ومدى احترام الانتقال الدستوري.