اليوم العالمي للحفاظ على طبقة الأوزون.. أربعون عاماً من الحماية
يحتفل به 16 سبتمبر من كل عام
يتوقف العالم في السادس عشر من سبتمبر من كل عام، ليحتفي بـ اليوم الدولي للحفاظ على طبقة الأوزون، وهي المناسبة التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1994 إحياءً لذكرى توقيع بروتوكول مونتريال عام 1987.
يأتي يوم 2025 تحت شعار "من العلم إلى العمل العالمي"، في إشارة إلى الإنجاز التاريخي الذي تحقق قبل أربعة عقود حين اجتمعت الدول تحت مظلة اتفاقية فيينا لحماية طبقة الأوزون، ثم بروتوكول مونتريال، في استجابة علمية وسياسية مشتركة لحماية كوكب الأرض من خطر الأشعة فوق البنفسجية الناجمة عن استنزاف الأوزون.
درع تحمي الحياة
أظهرت الدراسات العلمية في السبعينيات والثمانينيات أن بعض المواد الكيميائية الشائعة الاستخدام -مثل مركبات الكلوروفلوروكربون والبروميدات- تؤدي إلى استنزاف خطِر في طبقة الأوزون، هذه الطبقة الرقيقة التي تغطي كوكبنا، وتعمل درعاً تحمي الحياة من الإشعاعات فوق البنفسجية الضارة، كانت مهددة بالانهيار.
وبفعل هذا التهديد، اعتمدت الدول عام 1985 اتفاقية فيينا لحماية طبقة الأوزون، تعبيراً عن التزام جماعي بالتعاون وصون الطبقة، بعد ذلك بعامين فقط، تم توقيع بروتوكول مونتريال بشأن المواد المستنفدة لطبقة الأوزون، ليشكل نقطة تحول حقيقية في العمل البيئي متعدد الأطراف.
بروتوكول مونتريال
جاء البروتوكول ليضع إطاراً عملياً للتخلص التدريجي من المواد الكيميائية الضارة، وعلى رأسها مركبات الكلوروفلوروكربون والهالونات، وُضعت جداول زمنية واضحة ملزمة لجميع الأطراف، تقوم على تقليل الإنتاج والاستهلاك وصولاً إلى القضاء التام عليها، مع منح استثناءات محدودة للحالات التي لا توجد فيها بدائل آمنة، مثل بعض أجهزة الاستنشاق لعلاج الربو أو أنظمة إخماد الحرائق في الطائرات والغواصات.
وقد أظهر التنفيذ نجاحاً ملحوظاً: التزمت الدول بالجداول الزمنية، بل إن كثيراً منها سبق المواعيد النهائية، الأمر الذي سمح لطبقة الأوزون بالشروع في التعافي، وفق ما تؤكده بيانات الرصد العلمي.
الاعتراف العالمي
في 16 سبتمبر 2009، دخلت اتفاقية فيينا وبروتوكول مونتريال التاريخ، حين أصبحتا أول صكين بيئيين يحصلان على تصديق عالمي من جميع دول الأمم المتحدة، هذا التوافق الدولي غير المسبوق عكس قناعة مشتركة بأن حماية طبقة الأوزون مسؤولية لا تعرف حدوداً.
تعديل كيغالي
مع مرور الوقت، أدرك المجتمع الدولي أن بعض البدائل المستخدمة لمركبات الكلوروفلوروكربون، مثل مركبات الكربون الهيدروفلورية، لا تستنزف الأوزون لكنها غازات دفيئة قوية تسهم في تغير المناخ، وهنا جاء تعديل كيغالي عام 2016 ليضع خطة للتخفيض التدريجي لاستخدام هذه الغازات، جامعاً بين حماية الأوزون ومكافحة الاحتباس الحراري.
لا يعد اليوم العالمي مجرد ذكرى لاتفاقيات ناجحة، بل هو فرصة لتجديد الالتزام بعمل جماعي قائم على العلم كمرجع، والعمل كوسيلة، والإنسان كغاية، وقد شدد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في رسالته لعام 2025 على أن الإنجاز الذي تحقق في ملف الأوزون يذكّرنا بأن التقدّم ممكن عندما تُصغي الأمم لتحذيرات العلم، وتترجمها إلى سياسات وإجراءات عملية.
لمحة علمية
تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن مجموعة من المواد الكيميائية المصطنعة كانت السبب الرئيسي في استنزاف الأوزون، ومنها: بروميد الميثيل وكلوروفورم الميثيل، ورابع كلوريد الكربون، والهالونات، ومركبات الكلوروفلوروكربون (CFCs)، الهيدروكلوروفلوروكربون (HCFCs).
كانت بعض هذه المواد، خاصة تلك المحتوية على البروم، أشد خطراً بمرات عدة من المركبات الأخرى، ما جعل التخلص منها أولوية قصوى.
الإنجازات المحققة حتى الآن
- التزام عالمي بالتخلص التدريجي من أكثر من مئة مادة كيميائية ضارة.
- تراجع ملحوظ في مستويات المواد المستنزفة للأوزون في الغلاف الجوي.
- بدء تعافي طبقة الأوزون تدريجياً، مع مؤشرات علمية تؤكد استمرار هذا التحسن في العقود المقبلة.
- ربط بروتوكول مونتريال وتعديلاته بين حماية الأوزون ومكافحة تغير المناخ، عبر تقليل الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري.
الأوزون وتغير المناخ
أكد برنامج الأمم المتحدة للبيئة أن التحدي المناخي يمثل القضية الفاصلة لعصرنا، فالتغير المناخي يهدد الأمن الغذائي، ويزيد من مخاطر الكوارث الطبيعية، ويرفع مستوى البحار، ومن هنا، فإن العمل على حماية الأوزون والتخلص من المواد الضارة يرتبط عضوياً بجهود مواجهة التغير المناخي، ويُظهر أن الحلول البيئية الشاملة ممكنة عندما تتضافر الإرادة الدولية.
رسالة 2025
لا تقتصر احتفالات هذا العام على استذكار الإنجازات، بل تتطلع إلى مستقبل أكثر أمناً وصحة، فكما جسدت معاهدات الأوزون الانتقال من العلم إلى العمل العالمي، فإن الرسالة الأساسية لليوم الدولي عام 2025 هي أن الأزمات البيئية الأخرى، وعلى رأسها أزمة المناخ، يمكن مواجهتها بذات الروح: استماع جاد للعلم، وتعاون دولي صادق، والتزام سياسي مستمر.
ويذكر اليوم العالمي للحفاظ على طبقة الأوزون في 2025 البشرية بدروس ثمينة، وهي أن الاستماع للعلم وإنفاذ القانون الدولي البيئي قادران على حماية حقوق الأجيال، وأن التعددية ليست خياراً بل ضرورة.
بينما يحتفي العالم بأربعين عاماً من نجاح اتفاقية فيينا وبروتوكول مونتريال، يبقى التحدي الأكبر هو ضمان استمرار هذه الجهود لأربعين عاماً أخرى، حتى تظل طبقة الأوزون درعاً واقية للبشرية، وتظل البيئة حقاً أساسياً من حقوق الإنسان.











