تحذيرات من أزمة صحية.. 600 ألف عامل مهددون بترك العمل في بريطانيا
تحذيرات من أزمة صحية.. 600 ألف عامل مهددون بترك العمل في بريطانيا
حذّرت الجمعية الملكية للصحة العامة في بريطانيا (RSPH) من أزمة متنامية تهدد مستقبل سوق العمل البريطاني، مشيرة إلى أن نحو 600 ألف شخص إضافي قد يغادرون العمل خلال السنوات العشر المقبلة بسبب الأمراض المزمنة ما لم يحدث “تحوّل جذري” في طريقة دعم أصحاب العمل لصحة موظفيهم.
وأكدت الجمعية، وفق تحليل نشرته صحيفة الغارديان، اليوم الاثنين، أن استمرار التدهور الصحي في صفوف العاملين قد يؤدي إلى خروج 3.3 ملايين بالغ من سوق العمل بحلول عام 2035، وهو ما يعادل زيادة بنسبة 26% في عدد غير النشطين اقتصاديًا، بتكلفة تُقدّر بنحو 36 مليار جنيه إسترليني سنويًا على الاقتصاد البريطاني، أي ما يوازي خروج مدينة كاملة مثل بريستول من العمل.
أمراض مزمنة تتفشى
أبرز التقرير أن المشكلات الصحية المزمنة، مثل اضطرابات الجهاز العضلي الهيكلي، والأمراض النفسية، وأمراض القلب والأوعية الدموية، باتت تمثل عبئًا متزايدًا على سوق العمل.
ورأى معدّو التقرير أن أماكن العمل يجب أن تتحول من مجرد بيئة إنتاج إلى “مساحات رعاية”، عبر توفير الدعم الطبي والنفسي المستمر للموظفين، وتشجيع ممارسات العمل الصحية التي توازن بين الأداء المهني والرفاه الجسدي والعقلي للعاملين.
وقال ويليام روبرتس، المدير التنفيذي للجمعية الملكية للصحة العامة، إن “أزمة الإنتاجية تمثل أحد أكبر التحديات أمام اقتصادنا، والأمراض المزمنة في القوى العاملة عامل رئيسي فيها”.
وأضاف: “نحتاج إلى تحوّل جذري في رؤية دور أصحاب العمل في الحفاظ على صحة الموظفين، مدعومًا بمعيار وطني يشمل جميع العاملين دون استثناء”.
مراجعة وطنية شاملة
يأتي التقرير قبل صدور مراجعة وطنية مهمة تحت عنوان "الحفاظ على العمل في بريطانيا"، التي يعدها بشكل مستقل السير تشارلي مايفيلد، ومن المتوقع أن تتضمن توصيات حول كيفية معالجة العجز الصحي المرتبط بالعمل.
وتهدف المراجعة إلى وضع تصور متكامل لدور الحكومة وأصحاب العمل في خلق بيئات عمل صحية وشاملة، والحد من ظاهرة التسرب من العمل لأسباب طبية.
وأشار سام أتويل، مدير السياسات والبحوث في مؤسسة الصحة، إلى أن “تدهور صحة الفئة العاملة أحد أكبر التحديات التي تواجه الحكومة، والطريقة المستدامة لمواجهته هي الحفاظ على صحة الناس وتمكينهم من البقاء في العمل لفترة أطول”.
وأضاف أن مراجعة "الحفاظ على العمل في بريطانيا" تمثل “فرصة حيوية للتغيير”، مشددًا على أهمية وضع معايير واضحة وتوسيع نطاق الدعم المتخصص داخل أماكن العمل.
قوى عاملة بلا دعم صحي
كشفت تحليلات سابقة أن نحو نصف العاملين في بريطانيا لا يحصلون على أي دعم صحي في مقرات عملهم، سواء عبر التطعيمات الدورية ضد الإنفلونزا أو الفحوصات الخاصة بأمراض القلب والأوعية الدموية.
ويرى الخبراء أن غياب هذه الخدمات الوقائية يفاقم الغياب عن العمل ويضعف الإنتاجية على المدى الطويل.
وأكد الباحث جيمي أوهالوران من مؤسسة الصحة أن “إشراك أصحاب العمل في رعاية صحة الموظفين لا يعود بالنفع على الدولة فحسب، بل على المؤسسات نفسها أيضًا”، موضحًا أن الاستثمار في الصحة المهنية يؤدي إلى تقليل دوران الموظفين وخفض معدلات الغياب وزيادة الإنتاجية العامة.
موقف الحكومة وخططها
ردًا على التقرير، أكد متحدث باسم الحكومة البريطانية أن “العمل الجيد مفيد للصحة والاقتصاد على حد سواء”، مشيرًا إلى أن الحكومة أطلقت خطة صحية لمدة عشر سنوات تهدف إلى الانتقال من التركيز على علاج المرض إلى الوقاية منه.
وأوضح أن الخطة تشمل دعم موظفي الخطوط الأمامية مثل الأطباء والمعالجين الفيزيائيين لتقديم دعم شخصي للمرضى من أجل مساعدتهم على البقاء في العمل أو العودة إليه بعد فترات المرض.
وأضاف: “كل شخص نساعده على البقاء في العمل لا يغير حياته فقط، بل يسهم في نمو اقتصادنا وبناء دولة أكثر صحة وازدهارًا”.
بين الإنتاجية والإنسان
يعكس هذا التحذير المتجدد من الجمعية الملكية للصحة العامة تحولًا عميقًا في فهم العلاقة بين العمل والصحة داخل المجتمع البريطاني، إذ لم يعد المرض يُنظر إليه كقضية فردية، بل كمؤشر هيكلي على خلل في بيئة العمل الحديثة.
وفي ظل الشيخوخة المتزايدة للسكان وارتفاع معدلات التوتر، يبدو أن مستقبل الاقتصاد البريطاني يعتمد بدرجة كبيرة على قدرة مؤسساته على الاستثمار في صحة الإنسان قبل أي شيء آخر، فالموظف السليم هو العمود الفقري للإنتاج، والوقاية اليوم قد تكون الضمان الحقيقي لازدهار الغد.











