بعد سنوات من الوعود.. المجتمعات الهشة تدفع ثمن تعثر التعهدات المناخية
خلال فعاليات كوب 30
حذّر خوان كارلوس مونتيري غوميز، مبعوث بنما للمناخ وكبير المفاوضين، من فشل الجهود العالمية في الحد من تغير المناخ، مؤكدًا خلال مؤتمر COP30 في بيليم، بالبرازيل، أن "الوعود الإضافية لا قيمة لها إذا لم تُحقق أو تُوفِ بوعودك السابقة"، وفقا لتقرير مفصل نشرته اليوم صحيفة "بوليتيكو".
وأشار غوميز إلى أن عشرات الدول لم تلتزم بالتعهدات السابقة المتعلقة بخفض الانبعاثات، ما يهدد استقرار المناخ وحقوق الإنسان على المستوى العالمي، وأفادت الصحيفة الأمريكية بتراجع واضح في تنفيذ الالتزامات الدولية المتعلقة بالوقود الأحفوري، حيث ارتفع استهلاك النفط والغاز على الرغم من الاتفاق التاريخي لعام 2023 للحد من استخدامهما.
وأوضح التقرير أن النمو في مصادر الطاقة المتجددة، مثل الرياح والطاقة الشمسية، على الرغم من سرعته، لا يعوّض استمرار الاستثمار الضخم في الوقود الأحفوري، خصوصًا في الولايات المتحدة وأوروبا.
انتقادات حقوقية
ومن جانبها، انتقدت منظمة العفو الدولية هذا الوضع، معتبرة أن التعهدات الحالية غير كافية لتحقيق العدالة المناخية وحماية حقوق الإنسان، خاصة للفئات الأكثر هشاشة، من السكان الأصليين إلى الأطفال والنساء، وأوضحت المنظمة أن "إلغاء كامل وعادل وممول للوقود الأحفوري" يعد شرطًا أساسيًا لضمان حماية الحقوق الأساسية، مؤكدة أن أي استمرار في سياسات الطاقة التقليدية يعرض ملايين البشر لمخاطر مباشرة.
وأشار التقرير إلى تأخرًا كبيرًا في تمويل صندوق "الخسائر والأضرار" الذي أُعلن في شرم الشيخ عام 2022 لمساعدة الدول الفقيرة على مواجهة آثار الكوارث المناخية، موضحا أن الصندوق لم يتجاوز رصيده 800 مليون دولار، وهو مبلغ ضئيل مقارنة بالأضرار الفعلية التي تتعرض لها دول الكاريبي، مثل جامايكا وكوبا وجزر البهاما.
وانتقدت رئيسة وزراء باربادوس، ميا موتلي، القادة الدوليين على التأخر في تمويل الصندوق، مؤكدة أن "رأس المال أقل من 800 مليون دولار، بينما تعاني جامايكا وحدها من أضرار تتجاوز 7 مليارات دولار".
ودعت منظمة العفو الدولية إلى ضمان أن يكون التمويل المناخي فعالاً وعادلاً، لا مجرد وعود رمزية، مؤكدة أن أي تأخير في تنفيذ التعهدات الدولية يعرض حقوق الإنسان للخطر، خصوصًا الحق في الصحة والغذاء والبيئة النظيفة، وأن أي جهود ناقصة تعتبر إخفاقًا للعدالة المناخية.
ضعف تنفيذ التعهدات
رصدت "بوليتيكو" أيضًا ضعف التنفيذ الفعلي للتعهد العالمي بخفض انبعاثات الميثان بنسبة 30% بحلول 2030، الذي أُطلق بدعم من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وأوضحت أن الانبعاثات لا تزال مرتفعة، بينما يفتقر عدد قليل من الدول والشركات إلى خطط واضحة للوفاء بالالتزام، واعتبرت جوليا فيريني، رئيسة المرصد الدولي لانبعاثات الميثان، أن "جميع الأدوات متوفرة، إنها مجرد مسألة إرادة سياسية".
وسجّل التقرير أيضًا تفاوتًا كبيرًا بين التطور السريع في الطاقة المتجددة وبطء تحسين كفاءة الطاقة، حيث تحتاج كفاءة الطاقة إلى نمو 4% سنويًا للوصول إلى الهدف العالمي، لكن الوتيرة الحالية لا تتجاوز 1% .
أكدت منظمة العفو الدولية أن هذا التأخر يعكس فشل الحكومات في الوفاء بالتزاماتها الدولية، وأن عدم اتخاذ خطوات ملموسة يهدد حقوق الفئات الأكثر هشاشة حول العالم، من أطفال ونساء ومجتمعات أصلية، دعت القمة الحالية إلى بحث خريطة طريق جديدة لتقليل استخدام الوقود الأحفوري عالميًا.
لكن التقرير أشار إلى أن الخريطة ليست جزءًا من جدول الأعمال الرسمي، حيث ترى العديد من الدول الفقيرة أن الأولوية يجب أن تكون للتمويل والدعم المباشر لتحقيق هذا التحول.
أكدت منظمة العفو الدولية أن أي تعهد جديد يجب أن يكون قابلًا للقياس والتنفيذ، مع وضع آليات مراقبة شفافة لضمان الالتزام بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان، وأوضحت أن استمرار السياسات التقليدية سيؤدي إلى زيادة الفقر ونقص الغذاء وتشريد المجتمعات المحلية، خصوصًا في إفريقيا وأمريكا اللاتينية.
تأثير الانقسامات الدولية
كما أبرز التقرير السياسي تأثير الانقسامات الدولية، مثل تغيّب الولايات المتحدة عن القمة السابقة، وتعزيز الإدارة الأمريكية الجديدة لقطاع الوقود الأحفوري، وأشار إلى أن هذه الانقسامات تقلل من مصداقية الاتفاقات الدولية وتؤخر أي جهود ملموسة للتصدي للتغير المناخي، ما يجعل الالتزامات مجرد شعارات.
سلّط التقرير الضوء على التعهدات السابقة التي لم تُنفذ، مثل التعهد بمضاعفة الطاقة المتجددة ثلاث مرات بحلول عام 2030، ورغم التقدم في الطاقة الشمسية والرياح، تحتاج الإضافات السنوية إلى نمو 12% سنويًا من عام 2026 لضمان تحقيق الهدف، مقارنة بنسبة 21% المطلوبة أصلًا.
وأوضح ديف جونز، كبير المحللين في مركز أبحاث الطاقة "إمبر"، أن الحكومات بحاجة لتعزيز التزاماتها لضمان الوفاء بهذه الأهداف.
أكد التقرير أن مؤتمر COP30 في بيليم يحاول أن يكون منصة أكثر شمولًا، خاصة مع تسجيل أكثر من 900 مشارك من السكان الأصليين، وهو رقم قياسي مقارنة بالقمة السابقة في باكو، أذربيجان، حيث بلغ عدد المشاركين 300 فقط.
حقوق السكان الأصليين
وأشار إلى أن مشاركة السكان الأصليين تأتي مع مطالب واضحة لحماية أراضيهم ومواردهم الطبيعية، والحفاظ على حقوقهم في الأرض والبيئة، وهو ما يعتبر من أهم أبعاد العدالة المناخية.
رصدت منظمة العفو الدولية أن الفشل في حماية أراضي السكان الأصليين والتأخر في تمويل السياسات المناخية يؤدي إلى "انتهاك حقوق الإنسان بشكل مباشر"، ويجعل هذه المجتمعات في مواجهة الكوارث الطبيعية والتلوث البيئي وحدها، دون دعم أو حماية دولية فعالة.
ختمت "بوليتيكو" تقريرها بالتأكيد على ضرورة التحرك العاجل: “نحن في عقد واحد فقط بعيد عن تحقيق أهداف باريس، ولكن لا يزال أمامنا طريق طويل لضمان أن تتحول الوعود إلى أفعال”، ومن منظور منظمة العفو الدولية، فإن أي فشل في تحقيق هذه الأهداف يمثل تهديدًا مباشرًا لحقوق الإنسان، ويضع أجيال المستقبل أمام أزمة بيئية غير مسبوقة.








