بين حرية التنقل والقيود.. هل تستطيع غانا حماية المهاجرين المرحلين من الولايات المتحدة؟

بين حرية التنقل والقيود.. هل تستطيع غانا حماية المهاجرين المرحلين من الولايات المتحدة؟
مهاجرون مرحلون من الولايات المتحدة

أعلنت غانا موافقتها على استقبال مهاجرين مرحلين من الولايات المتحدة، في خطوة أعادت تسليط الضوء على العلاقة المعقدة بين دول إفريقيا جنوب الصحراء والإدارة الأمريكية.

وجاء الإعلان على لسان الرئيس الغاني جون ماهاما الذي أكد أن بلاده تلقت طلباً من واشنطن بقبول رعايا من غرب إفريقيا تم ترحيلهم، موضحاً أن الاتفاق لا يشمل سوى مواطني الإقليم، وقد وصلت بالفعل الدفعة الأولى المؤلفة من أربعة عشر شخصاً، من بينهم عدد من النيجيريين.

هذه الخطوة التي تبدو على السطح جزءاً من التعاون الثنائي، تحمل في عمقها أبعاداً سياسية واقتصادية وحقوقية تتجاوز غانا وحدها لتطول المنظومة الدولية الخاصة بحقوق المهاجرين واللاجئين.

دوافع غانا

لم يكن قرار أكرا معزولاً عن السياق السياسي والاقتصادي الذي تمر به البلاد، فمن الناحية الاقتصادية، تعاني غانا من ضغوط متزايدة بعد أن فقدت امتيازاتها ضمن قانون النمو والفرص في إفريقيا، حيث فرضت واشنطن رسوماً جمركية وصلت إلى خمسة عشر في المئة على صادراتها، وبالنظر إلى اعتماد غانا على التجارة مع الولايات المتحدة، فإن الحفاظ على قنوات التعاون بات ضرورة سياسية واقتصادية.

كما أن التوجه نحو الصين بوصفها سوقاً بديلة، في ظل الحرب التجارية بين واشنطن وبكين، لم يعفِ أكرا من الحاجة إلى إبقاء العلاقات مع الولايات المتحدة في حدها الأدنى من التوازن، وعلى المستوى الإقليمي، استندت غانا إلى بروتوكول المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا الذي يسمح بحرية التنقل لمدة تصل إلى تسعين يوماً، وهو ما وفر لها غطاءً قانونياً لتبرير القرار أمام الداخل والخارج.

تندرج موافقة غانا في إطار سياسة أمريكية أكثر تشدداً في الهجرة خلال ولاية دونالد ترامب الثانية، فقد عملت الإدارة الأمريكية على تفعيل ما يعرف ببرامج الترحيل من طرف ثالث، والتي تهدف إلى إعادة المهاجرين المرفوضة طلباتهم إلى دول أخرى غير بلدانهم الأصلية، هذه السياسة أثارت جدلاً واسعاً في السنوات الأخيرة لأنها غالباً ما تنقل المهاجرين إلى بيئات غير مهيأة لاستقبالهم، وتضعهم أمام مخاطر جديدة تتعلق بالاندماج والحماية.

غانا لم تكن الدولة الوحيدة التي قبلت التعاون مع واشنطن، فقد سبقتها رواندا التي استقبلت دفعات من المهاجرين، إلى جانب دول أخرى مثل الكونغو الديمقراطية وساحل العاج، لكن الخطوة الغانية تحمل بعداً خاصاً بسبب انتماء المرحلين إلى إقليم غرب إفريقيا، ما يضع القرار في تقاطع بين الضغوط الدولية والالتزامات الإقليمية.

مخاوف من انتهاكات

أثار الإعلان ردود فعل غاضبة من منظمات حقوقية محلية ودولية، فقد حذرت منظمة العفو الدولية من أن عمليات ترحيل المهاجرين قد تتعارض مع مبدأ عدم الإعادة القسرية المنصوص عليه في القانون الدولي، والذي يحظر إعادة أي شخص إلى بلد قد يتعرض فيه للاضطهاد أو التعذيب، وأشارت هيومن رايتس ووتش إلى أن مثل هذه الترتيبات قد تؤدي إلى جعل غانا ساحة جديدة لتكديس المهاجرين غير المرغوب فيهم دون ضمانات حقيقية لحمايتهم.

أما على المستوى الأممي، فقد أعربت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين عن قلقها من غياب آليات تحقق واضحة لضمان عدم تعرض المهاجرين المرحلين لانتهاكات، مؤكدة أن الاتفاقيات الثنائية لا يمكن أن تتجاوز الالتزامات الدولية الأساسية المتعلقة بحقوق الإنسان.

التداعيات الإنسانية لهذه السياسة تبدو الأشد خطورة، فكثير من المرحلين يجدون أنفسهم في حالة من العزلة الاجتماعية وعدم القدرة على الاندماج في المجتمعات الجديدة، وبعضهم لا يمتلك روابط عائلية أو اجتماعية في غانا، ما يفاقم معاناتهم، كما أن غياب خطط حكومية واضحة لاستيعابهم قد يتركهم في مواجهة أوضاع قانونية غامضة ومخاطر اقتصادية جسيمة.

هناك أيضاً البعد النفسي، حيث يواجه المرحلون آثاراً صادمة لرحلة قسرية غالباً ما تتم في ظروف قاسية، وإذا لم تتوفر لهم حماية إنسانية فعالة، فإنهم قد يتحولون إلى ضحايا مرتين: مرة بسبب فشلهم في الوصول إلى بر الأمان في الولايات المتحدة، ومرة أخرى بسبب تهميشهم في بلد ثالث.

علاقات بين إفريقيا وواشنطن

تاريخياً، اعتمدت العلاقات الأمريكية الإفريقية على برامج اقتصادية مثل "أغوا"، الذي فتح أسواق الولايات المتحدة أمام الصادرات الإفريقية دون رسوم، غير أن سياسات واشنطن الحمائية في عهد ترامب قلّصت هذه المزايا، وفي موازاة ذلك، برزت سياسات الترحيل أداة ضغط إضافية.

غانا، التي عُرفت بدورها دولة مستقرة نسبياً في غرب إفريقيا، تجد نفسها اليوم أمام اختبار جديد.. كيف يمكنها موازنة علاقاتها مع القوى الكبرى وفي الوقت نفسه الوفاء بالتزاماتها الإنسانية والدولية.

قد يؤدي قرار غانا إلى فتح الباب أمام دول أخرى في غرب إفريقيا لاعتماد ترتيبات مشابهة، ما قد يغير من ديناميات الهجرة في المنطقة، لكن في المقابل، فإن هذه السياسات قد تضع الدول الإفريقية في مواجهة مباشرة مع المجتمع الحقوقي الدولي.

على المستوى الدولي، يوفر القرار غطاءً لواشنطن في تنفيذ سياساتها الصارمة، لكنه يفاقم التوتر مع المنظمات الحقوقية والأمم المتحدة، أما إنسانياً، فإن حياة المرحلين ستظل معلقة ما لم يتم وضع آليات واضحة لحمايتهم وضمان حقوقهم الأساسية.

عدم الإعادة القسرية

تنص اتفاقية عام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين وبروتوكول 1967 الملحق بها على مبدأ عدم الإعادة القسرية، الذي يعتبر حجر الزاوية في القانون الدولي للاجئين، وهذا المبدأ يحظر على الدول إعادة أي شخص إلى بلد قد يتعرض فيه للاضطهاد أو الخطر. وبالنظر إلى أن بعض المرحلين قد يكونون معرضين لهذه المخاطر في بلدانهم الأصلية، فإن استقبالهم في دول ثالثة مثل غانا لا يعفي الأطراف المعنية من التزاماتها القانونية الدولية.

إضافة إلى ذلك، تؤكد تقارير الأمم المتحدة أن عدد المهاجرين الدوليين بلغ نحو 281 مليون شخص عام 2023، وهو رقم يعكس حجم التحدي العالمي، وفي هذا السياق، تصبح قرارات مثل تلك التي اتخذتها غانا جزءاً من معادلة كبرى تتعلق بكيفية إدارة المجتمع الدولي لملف الهجرة بين المصالح السياسية والالتزامات الإنسانية.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية