انتقادات أممية.. تونس حائرة بين الرفض الشعبي والضغوط الدولية في ملف الهجرة غير النظامية
انتقادات أممية.. تونس حائرة بين الرفض الشعبي والضغوط الدولية في ملف الهجرة غير النظامية
أعرب خبراء أمميون مستقلون عن انزعاجهم الشديد من الانتهاكات بحق المهاجرين واللاجئين وضحايا الاتجار بالبشر، أثناء عمليات البحث والإنقاذ والنقل إلى المناطق الحدودية في تونس.
وقال الخبراء المستقلون إنهم تلقوا تقارير "صادمة" عن مناورات خطيرة واستخدام العنف وإزالة المحركات والوقود وقلب القوارب عند اعتراض المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء في البحر، وأشاروا إلى أن 189 شخصا لقوا حتفهم أثناء العبور، فيما قتل 265 شخصا أثناء عمليات الاعتراض في البحر، كما فقد 95 شخصا، وذلك خلال الفترة من يناير إلى يوليو 2024.
الاستخدام المفرط للقوة
وقال الخبراء: "نحن مذهولون من العنف المبلغ عنه والاستخدام المفرط للقوة أثناء عمليات النقل هذه. يُزعم أن المهاجرين وطالبي اللجوء، بمن في ذلك الأطفال والنساء الحوامل، يتم نقلهم إلى المناطق الصحراوية المتاخمة للجزائر وليبيا، ويطلق عليهم حرس الحدود النار إذا حاولوا العودة".
وبحسب تقارير دولية سابقة، يتعرض المهاجرون، لا سيما القادمون من دول إفريقيا، إلى عمليات الطرد الجماعية والانتهاكات في تونس، إذ يعاني المهاجرون من ظروف معيشية قاسية عند الحدود التونسية الليبية، حيث يُحرمون من الغذاء والمأوى والرعاية الطبية، ويتعرضون لخطر العنف والتعذيب.
كما يتزايد خطاب الكراهية والعنصرية ضد المهاجرين في تونس، الأمر الذي يستدعي تعهد تونس للالتزام بتعهداتها الدولية، وخاصة مبدأ "عدم الإعادة القسرية"، الذي يمنع طرد الأفراد إلى بلدان قد يتعرضون فيها للتعذيب أو الانتهاكات.
وردا على ذلك تم توجيه نداءات أممية ودولية للتحقيق في الانتهاكات وحماية حقوق المهاجرين، مع تركيز خاص على النساء الحوامل والأطفال الذين تم ترحيلهم إلى المناطق الحدودية الخطرة في تونس.
وفي مايو الماضي، قدم أعضاء في مجلس النواب التونسي، مقترحاً لتعديل قانون إقامة الأجانب، يشمل السجن لما يصل إلى ثلاث سنوات بهدف مكافحة الهجرة غير الشرعية، غير أنه لم يقر حتى الآن.
تصعيد متزايد
وتشهد أوضاع المهاجرين في تونس تصاعداً في التوترات منذ عام 2023، خاصة بعد تصريحات الرئيس التونسي قيس سعيد التي وصف فيها وجود المهاجرين الأفارقة بأنها "مؤامرة لتغيير التركيبة الديموغرافية"، وقد أدى هذا إلى زيادة الاعتداءات اللفظية والعنصرية ضد المهاجرين، خاصة من دول إفريقيا جنوب الصحراء.
ويعيش الكثير من المهاجرين في ظروف صعبة، حيث يضطر العديد منهم إلى تغيير أماكن إقامتهم لتفادي السلطات الأمنية، وغالباً ما يلجؤون للإقامة في الشوارع أو الأماكن العامة، كما يتعرضون لأشكال مختلفة من العنف، أغلبها عنصري ولفظي.
كما أن الظروف الاقتصادية الصعبة التي تشهدها تونس وعدم توفر فرص العمل، جعلت العديد من المهاجرين يرغبون في المغادرة نحو أوروبا، حيث يؤكد العديد منهم أنهم حاولوا المشاركة في رحلات هجرة غير نظامية عبر البحر.
وتتزايد التقارير حول تعرض المهاجرين في تونس، وخاصة النساء، للاعتداءات الجنسية والعنف في سياق ظروفهم الصعبة، لا سيما النساء في صفوف المهاجرين القادمين من دول إفريقيا جنوب الصحراء، وذلك في ظل غياب الحماية القانونية الكافية وتفشي الإفلات من العقاب.
وتقول العديد من التقارير الدولية إن هذه الانتهاكات تتم في سياق من الضعف الشديد للمهاجرين الذين يجدون أنفسهم في أوضاع غير قانونية، ما يجعلهم أكثر عرضة للاستغلال والعنف دون وجود ضمانات قانونية أو حماية فعلية.
كما تحدثت بعض المنظمات الحقوقية عن تورط شبكات إجرامية في تهريب المهاجرين وتسليمهم لميليشيات ليبية، ما يزيد من تفاقم معاناتهم ويعرضهم للتعذيب والعنف الجنسي أثناء عمليات نقلهم القسري عبر الحدود، وذلك في ظل سياسات قمعية تعتمدها السلطات التونسية، والتي تؤدي إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية للمهاجرين العالقين على الحدود أو في المدن التونسية مثل صفاقس.
وبحسب تقارير إعلامية محلية، يجول الآلاف من المهاجرين هائمين في الشوارع في صفاقس، ويفتقد أغلبهم المال الكافي لتأمين رحلة محفوفة بالمخاطر إلى الأراضي الإيطالية على متن قوارب متهالكة يصنعها المهربون، إذ شهدت عدة أحياء أعمال عنف متكررة بين جماعات من المهاجرين من جانب، والمهاجرين والسكان المحليين من جانب آخر.
منبع الأزمة
وأدت الأزمات الاقتصادية والمناخية والاجتماعية الهيكلية في منطقة الساحل الإفريقي إلى بروز دولة تونس كنقطة عبور للمهاجرين وطالبي اللجوء من إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى في طريقهم إلى أوروبا.
ويجد المهاجرون أنفسهم عالقين في دوامة من التحديات المتشابكة، وسط فشل صياغة نهج متماسك وواقعي للتعامل مع مشكلة الهجرة من جهة، وتشديد أوروبا للضوابط الأمنية على حدودها لكبح جماح الهجرة من جهة أخرى.
وينبع تحول تونس إلى دولة عبور للمهاجرين من إفريقيا إلى أوروبا من عوامل مهمة عدة، أبرزها حالة انعدام الاستقرار المزمنة في منطقة الساحل وموجات الهجرة الناجمة عن ذلك، وحدود تونس القابلة للاختراق، فضلًا عن انتشار العنف والسلوك المُعادي للأجانب في البلاد، وتدهور ظروفها الاقتصادية.
وخلال السنوات الماضية تفاقمت التحديات التي تواجهها تونس في ملف الهجرة نتيجة عجز السلطات عن وضع استراتيجيةٍ شاملةٍ لإدارة تدفّق المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء، واستجابةً لهذا الوضع لجأت الحكومة إلى مقاربات ترتكز على إحكام القبضة الأمنية.
وينظم شؤون المهاجرين في تونس من الناحية القانونية قانون 2004-06 الذي يصفه الخبراء والمراقبون بـ"المقيد والجائر"، وهو يعود إلى عهد الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي، إذ تعرض الطريقة الصارمة التي تطبِّق بها الهيئات الحكومية القانون الأجانب للخطر، حتى إن الذين يدخلون إلى تونس بصورة قانونية، بمَن فيهم الطلاب والمقاولون، يضطّرون إلى الانتظار لفترات طويلة من أجل الحصول على تصاريح الإقامة.
وتتعاون تونس مع الاتحاد الأوروبي في برنامج "العودة الطوعية" للمهاجرين غير النظاميين الذين يرغبون في العودة إلى بلدانهم الأصلية، وذلك في إطار جهود الحد من تدفق المهاجرين غير الشرعيين عبر البحر الأبيض المتوسط.
ويهدف البرنامج إلى تقديم دعم مالي للمهاجرين ومساعدتهم على العودة بكرامة، مع توفير حوافز مالية وتدابير مهنية تساهم في إعادة إدماجهم في مجتمعاتهم، وذلك في إطار مساعي الاتحاد الأوروبي إلى تخفيف الضغوط على الدول المتوسطية التي تعاني من تزايد عدد المهاجرين، بينما تُدعم تونس لتحسين إدارة الهجرة غير النظامية.
وعلى الجانب المقابل، يواجه هذا التعاون انتقادات من قبل منظمات حقوق الإنسان التي ترى أن هذه الجهود لا تأخذ بعين الاعتبار الأوضاع الإنسانية الصعبة التي يواجهها العديد من المهاجرين، خاصةً في ظل الاعتداءات والانتهاكات التي قد يتعرضون لها أثناء إقامتهم في تونس.
استغلال أوروبي
بدوره، قال رئيس جمعية إنقاذ التونسيين العالقين بالخارج محمد إقبال بن رجب، إن منظمة الأمم المتحدة تغيب عن ملف الهجرة والمهاجرين الأفارقة على الصعيد الميداني، وتكتفي بالتقارير والانتقادات والتحذيرات، رغم أن المهاجرين هم ضحايا منظومة عالمية وليسوا ضحايا بلد بعينه.
وأوضح بن رجب، في تصريحه لـ"جسور بوست" أن الدول الأوروبية تعيش في الرخاء وتغتنم خيرات القارة السمراء وتحتل بعض دول إفريقيا الوسطى بشكل مباشر، وتستعمر بعض الدول العربية الأخرى بشكل غير مباشر، وبعد كل ذلك ترفض استيعاب المهاجرين الأفارقة وتلقي بعبء هذا الملف على كاهل الدول العربية التي تعد محطة عبور للهجرة غير النظامية.
وأضاف: "إن مصر وتونس وليبيا تعد دول عبور وتقوم بواجبها على النحو الأكمل في ملف الهجرة غير النظامية، والتي تراجعت معدلاتها بنحو 60 بالمئة مقارنة بالعام الماضي، بسبب تشديدات الرقابة على سواحل البحر المتوسط".
ودلل بن رجب على صحة حديثه قائلا: "هناك مئات المهاجرين من دول جنوب الصحراء الكبرى ينتشرون في العديد من المحافظات التونسية الساحلية، وخاصة مدينة صفاقس التي أصبحت أقرب إلى مخيم كبير للمهاجرين الأفارقة، كما أن هناك جمعيات غير حكومية تقوم بمساعدتهم رغم ضعف إمكاناتها لتوفير السلع الغذائية والملابس والأدوية".
وفي السياق، أكد الباحث المتخصص في قضايا الهجرة وعضو المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، رمضان بن عمر، أن دوافع الهجرة غير النظامية تعد مركبة، حيث تتمثل أبرزها في النواحي السياسية والاقتصادية، حيث تتصدر الأنظمة القمعية قائمة دوافع الهجرة يليها التغيرات المناخية وتدني الظروف المعيشية.
وأوضح بن عمر في تصريحات صحفية، أن أكثر من 60 بالمئة من المهاجرين وصلوا إلى تونس بطريقة غير نظامية عن طريق الحدود البرية مع الجزائر، وأكثر من 23 بالمئة دخلوا برا عن طريق ليبيا، بعضهم دخلوا تونس سيرا على الأقدام، في ظروف معيشية يومية شديدة السوء.
وأضاف: "المهاجرون غير النظاميين يتعرضون في تونس لضغوط كبيرة، أبرزها تغيير مكان الإقامة أكثر من مرة، والتعرض لأشكال مختلفة من العنف اللفظي والجسدي، إضافة إلى أنهم لا يجدون مياه صالحة للشرب أو طعام بالأماكن التي يقيمون بها في بعض الأحيان، ما يدفعهم إلى المغامرة في رحلات هجرة غير آمنة للوصول إلى الشواطئ الإيطالية".
وخلال العام الجاري، نظم مئات التونسيين مظاهرات حاشدة ومسيرات احتجاجية في ولاية صفاقس وسط تونس، للمطالبة بـ"الإجلاء السريع" لآلاف المهاجرين من دول إفريقيا جنوب الصحراء الموجودين في المنطقة، إذ أصبحت الولاية مركزا لمحاولات الهجرة غير النظامية إلى أوروبا عبر البحر المتوسط.
وفي سبتمبر 2023، أقام آلاف المهاجرين ملاجئ في مخيمات مؤقتة بعد إجلائهم من وسط ولاية صفاقس، حيث اعتبروها "محطة انتظار" حتى تتسنى لهم فرصة الهجرة خلسة إلى إيطاليا من الشواطئ التي تبعد عن المدينة نحو خمسة عشر كيلومتراً.
وتعد تونس نقطة انطلاق رئيسية للمهاجرين غير النظاميين الذين يحاولون عبور البحر المتوسط في منطقته الوسطى بشكل محفوف بالمخاطر؛ في محاولة للوصول إلى السواحل الإيطالية.