بقايا حلم محطم.. تقارير تكشف تخريب القوات الإسرائيلية مؤسسات التعليم في لبنان
بقايا حلم محطم.. تقارير تكشف تخريب القوات الإسرائيلية مؤسسات التعليم في لبنان
تحت ركام الحرب المستمرة بين "حزب الله" و"إسرائيل"، لا يقتصر الدمار على المنازل والبنى التحتية العسكرية، بل يمتد ليشمل المؤسسات التي تمثل شريان الحياة لمستقبل الأجيال: المدارس، وكشف تقرير حديث صادر الأربعاء عن منظمة "هيومن رايتس ووتش" عن وقائع صادمة حول احتلال وتخريب القوات البرية الإسرائيلية للمدارس في جنوب لبنان، مشيراً إلى أن هذه الأفعال قد ترقى إلى مستوى جرائم حرب.
التحقيق الميداني الذي أجرته المنظمة بين يناير ومارس الماضيين في 7 قرى حدودية لبنانية، مثل عيتا الشعب، وطير حرفا، والناقورة، يكشف عن صورة قاتمة، حيث وجدت "هيومن رايتس ووتش" أدلة مادية دامغة على احتلال القوات الإسرائيلية لخمس من هذه المدارس، تمثلت في وجود بقايا طعام إسرائيلية، ونفايات تحمل كتابات عبرية، ورسوم وكتابات على الجدران والألواح الدراسية.
ووفقاً للتقرير، فإن المدارس التي احتلت تعرضت لأضرار بالغة نتيجة الاشتباكات، ولكن الأدلة في مدرستي يارين والناقورة تشير إلى أن التخريب والتدمير والنهب لم يكن مجرد آثار جانبية للقتال، بل كان عملاً متعمداً، ففي يارين، تم نهب أجهزة حاسوب وتدمير معدات مكتبية، وفي الناقورة، دُمرت أجهزة عرض ولابتوبات حديثة مقدمة كمنح دولية، وهذا التدمير الممنهج لم يتوقف حتى بعد وقف إطلاق النار في نوفمبر 2024، بل استمر لأسابيع لاحقة.
صراع يطال التعليم
لم تكن الحرب الأخيرة هي الأولى التي يصل فيها الصراع الإسرائيلي-اللبناني إلى قطاع التعليم، فمنذ عقود تعاني المدارس في المناطق الحدودية من الهجمات المتقطعة، ولكن الأزمة الحالية هي الأشد وطأة.
وقد اندلعت أحدث موجات القتال في 8 أكتوبر 2023، بعد يوم واحد فقط من بداية العام الدراسي في لبنان، هذا التوقيت دفع عشرات الآلاف من السكان إلى النزوح، تاركين خلفهم قراهم ومدارسهم، التي أصبحت ساحات معارك أو ثكنات عسكرية.
تقرير "اليونيسف" يشير إلى أن أكثر من 100 مدرسة في جنوب لبنان قد "دُمرت" أو "تعرضت لأضرار جسيمة" منذ أكتوبر 2023. هذا العدد الهائل من المدارس المتضررة يضاف إلى الأزمة التعليمية التي يعاني منها لبنان منذ عام 2019، والتي تسببت في انقطاعات كبيرة في التعليم بسبب الانهيار الاقتصادي، وجاء تدمير المدارس ليفاقم من هذه الأزمة، ويجعل من عودة الحياة الطبيعية في الجنوب أمراً بعيد المنال.
انتهاكات القانون الدولي
تُعد هذه الأفعال انتهاكاً صارخاً للقوانين الدولية التي تحمي الأعيان المدنية، وخاصة المدارس، فقد صادق لبنان على "إعلان المدارس الآمنة" في عام 2015، وهو التزام دولي يمنع استخدام المدارس لأغراض عسكرية.
ورغم أن "إسرائيل" لم تصادق على هذا الإعلان، فإن القانون الدولي الإنساني، وعلى رأسه اتفاقيات جنيف، يحظر الهجمات المتعمدة على الأعيان المدنية وتخريبها ونهبها.
ردّ الجيش الإسرائيلي على اتهامات "هيومن رايتس ووتش" جاء مقتضباً، حيث اعترف بأنه "يضطر أحياناً إلى العمل من داخل مبانٍ مدنية"، ولكنه نفى أن يكون التخريب جزءاً من قيمه، هذا الرد لا يبرر الأدلة المادية التي عُثر عليها، والتي تشير بوضوح إلى أعمال تخريب متعمدة ورسوم تفاخرية. كما أن اتهامات "حزب الله" باستخدام المدارس، وإن صحت، لا تبرر بأي حال تدميرها بشكل كامل أو نهب محتوياتها.
تأثيرات كارثية على الأطفال
الأضرار التي لحقت بالمدارس تتجاوز الخسائر المادية لتصل إلى تأثيرات نفسية واجتماعية عميقة على الأطفال، فبالإضافة إلى الصدمة النفسية التي يتعرض لها الأطفال بسبب الحرب، يواجهون الآن حرمانًا من حقهم الأساسي في التعليم، إن تدمير المدارس يعني أن عشرات الآلاف من الأطفال النازحين لن يتمكنوا من العودة إلى قراهم لبدء عامهم الدراسي، ما يزيد من الضغوط على المدارس في المناطق الآمنة التي تعاني بالفعل من الاكتظاظ.
كما أن هذا التدمير يؤثر بشكل غير متناسب على الفتيات، حيث تزيد الصعوبات الأمنية والاقتصادية من احتمالية حرمانهن من التعليم، نظراً لحساسية الأسر من المخاطر الأمنية المرتبطة بالتنقل لمسافات طويلة، بالإضافة إلى الأعراف الاجتماعية التي قد لا تعطي الأولوية لتعليم الفتيات.
إعادة إعمار هذه المدارس يتطلب موارد هائلة وجهوداً دولية منسقة، ولكن الأهم هو أن يضمن المجتمع الدولي تحقيق العدالة. "هيومن رايتس ووتش" دعت الحكومة اللبنانية إلى منح المحكمة الجنائية الدولية الولاية القضائية للتحقيق في هذه الجرائم، لضمان ألا تمر هذه الانتهاكات دون محاسبة، وأن يتمكن أطفال لبنان من العودة إلى مدارسهم، التي يجب أن تكون دائماً ملاذاً آمناً لهم.