اليوم الدولي للاعنف.. سلاح الأقوياء في مواجهة الظلم وخطاب الكراهية
يحتفل به 2 أكتوبر من كل عام
في الثاني من أكتوبر من كل عام، يتجدّد النداء العالمي الذي يحمله اليوم الدولي للاعنف، وهو اليوم الذي يوافق ذكرى ميلاد الزعيم الهندي "المهاتما غاندي"، قائد حركة استقلال الهند ورائد فلسفة واستراتيجية اللاعنف، حيث يشكّل هذا اليوم فرصةً أممية لإعادة التأكيد على قوة اللاعنف باعتباره أعظم سلاح للبشرية في مواجهة الظلم والاضطهاد، وباعتباره قاعدة أساسية لإقامة ثقافة السلام والتسامح والتفاهم بين الشعوب.
النشأة
أُقرّ هذا اليوم بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم A/RES/61/271 الصادر بتاريخ 15 يونيو 2007، لتكريس 2 أكتوبر يوماً دولياً للاعنف، وقد جاء القرار تتويجاً لجهود الهند في تقديم المبادرة، بدعم 140 دولة راعية.
وخلال تقديم مشروع القرار، شدّد وزير الدولة للشؤون الخارجية في الهند آنذاك، أناند شارما، على أن الدعم الواسع يعكس الاحترام العالمي لغاندي، واستمرار راهنية فلسفته في عالم تتعاظم فيه تحديات العنف والكراهية، ونقل كلماته الخالدة: "اللاعنف هو أعظم قوة متاحة للبشرية؛ إنّه أقوى من أقوى سلاح دمار أبدعه الإنسان".
فعاليات الأمم المتحدة
تستعد الأمم المتحدة في 2 أكتوبر 2025 لإحياء هذا اليوم بفعالية تذكارية خاصة تُعقد بمقر الأمم المتحدة في نيويورك.
تنظّم الفعالية البعثة الدائمة للهند لدى الأمم المتحدة، وستكون مفتوحة للجمهور، وتهدف إلى إعادة تسليط الضوء على الإرث الأخلاقي والسياسي للمهاتما غاندي، وعلى الحاجة المستمرة إلى ترسيخ قيم اللاعنف في السياسات والمجتمعات.
كما تشكّل المناسبة مساحة للربط بين فلسفة غاندي والتحولات الراهنة، حيث تُبرز الأمم المتحدة في بياناتها أن اللاعنف ليس مجرد موقف سياسي، بل هو ثقافة يومية تقوم على التسامح، الحوار، ونبذ خطاب الكراهية.
أقوال خالدة للمهاتما غاندي
ما زالت كلمات غاندي تتردّد بقوة في أروقة الأمم المتحدة ومناهج التربية السلمية حول العالم ومنها:
"اللاعنف ليس ثوبًا نرتديه أو نخلعه متى شئنا، مقرّه القلب، وينبغي أن يكون جزءًا لا يتجزّأ من كياننا"
"لا طريق إلى السلام؛ السلام هو الطريق"
"اللاعنف سلاح الأقوياء"
"اللاعنف والحقيقة متلازمان ويفترض أحدهما الآخر"
هذه الأقوال ليست مجرد شعارات، بل أسس لفلسفة تحوّلت إلى ركيزة لحركات التحرّر والحقوق المدنية عبر القارات.
غاندي.. رسالة إنسانية
قاد غاندي الهند نحو الاستقلال من الاستعمار البريطاني عبر استراتيجيات اللاعنف، مثل مسيرة الملح عام 1930، حيث واجه القوانين البريطانية بعصيان مدني جماهيري سلمي، وكان يؤمن أن "الوسائل العادلة تُفضي إلى غايات عادلة"، وأن العنف لا يمكن أن يكون أداة لبناء مجتمع يسوده السلام.
ألهمت مسيرته قادة حركات الحقوق المدنية حول العالم، مثل مارتن لوثر كينغ في الولايات المتحدة، ونيلسون مانديلا في جنوب إفريقيا، وظلت حياته مثالاً على قوة الإرادة الإنسانية حين تتّحد مع اللاعنف.
تعريف اللاعنف وأبعاده
اللاعنف، أو المقاومة اللاعنفية، هو رفض استخدام العنف الجسدي لتحقيق التغيير السياسي أو الاجتماعي، وغالباً ما يوصف بأنه "سياسة الناس العاديين"، لأنه يُمكّن الجماهير من النضال دون سلاح.
وصفه البروفسور جين شارب، أحد أبرز منظّري العمل اللاعنفي، بأنه: "تقنية يمكن للذين يرفضون السلبية والخضوع ويرون النضال أمرًا لازمًا، أن يخوضوا بها صراعهم من دون عنف".
ويشدد شارب على أن اللاعنف ليس هروباً من الصراع، بل هو خيار فعّال لممارسة السلطة ومقاومة الظلم.
وتندرج أساليب العمل اللاعنفي في ثلاث فئات أساسية:
الاحتجاج والإقناع: كالمسيرات، والوقفات الاحتجاجية، والبيانات العامة.
الامتناع عن التعاون: مثل المقاطعة الاقتصادية أو الامتناع عن المشاركة في أنشطة تفرضها السلطة.
التدخل اللاعنفي: مثل الاعتصامات، وإقامة الحواجز السلمية، والعصيان المدني.
مواجهة خطاب الكراهية
ترتبط فلسفة اللاعنف ارتباطاً وثيقاً بمواجهة خطاب الكراهية، الذي يُعد من أخطر أشكال التحريض في العصر الرقمي، فالأمم المتحدة تذكّر بأن الكراهية اليوم تنتشر بسرعة غير مسبوقة عبر التكنولوجيا ووسائل الاتصال الحديثة.
وتؤكد المنظمة أن محاربة التمييز والعنصرية والتفاوت هي من مبادئها الأساسية، وتدعو الأفراد والمجتمعات إلى المشاركة الفعالة في رفض الكراهية وإشاعة ثقافة الحوار والتفاهم.
ويشكّل إرساء ثقافة السلام إحدى أهم ركائز عمل اليونسكو، التي تعتبر أن بناء السلم يبدأ بالتعليم والتدريب على حقوق الإنسان، والعلاقات السلمية، والحكم الرشيد.
وترى المنظمة أن نشر ثقافة اللاعنف والتنمية المستدامة لا يقتصر على البرامج الأكاديمية، بل يشمل الحياة اليومية، عبر تعزيز قيم التعايش، ومنع النزاعات، وإحياء الذاكرة التاريخية لتفادي تكرار المآسي.
أهمية اليوم وأهدافه
لا يعد اليوم الدولي للاعنف مجرد احتفال رمزي، بل هو:
منبر عالمي للتربية: إذ يُستخدم في المدارس والجامعات لترسيخ قيم التسامح واللاعنف.
أداة للتوعية العامة: من خلال الإعلام والفعاليات التي تعيد التذكير بخطورة العنف والحاجة إلى الحوار.
مساحة سياسية: تمنح الحكومات والمجتمع المدني فرصة للتأكيد على التزاماتهم بمكافحة العنف وتعزيز العدالة الاجتماعية.
جسر ثقافي: يربط بين شعوب العالم حول مبدأ واحد جامع: إن العنف ليس قدراً، بل خيار يمكن رفضه.
بعد أكثر من 75 عاماً على رحيل غاندي، يظل صوته حاضراً في عالم يتخبط في أزمات العنف والحروب، ويعيد اليوم الدولي للاعنف التأكيد على أن طريق اللاعنف هو السبيل الأنجع لتحقيق سلام مستدام وتنمية عادلة، وأن كلمات غاندي ليست ماضياً يُستذكر، بل أفق يُستعاد ويُبنى كل عام.