في غور الأردن.. رعاة فلسطينيون يواجهون تضييق المستوطنين والحرمان من مصادر الحياة
في غور الأردن.. رعاة فلسطينيون يواجهون تضييق المستوطنين والحرمان من مصادر الحياة
في عمق غور الأردن بالضفة الغربية المحتلة، يعيش الراعي الفلسطيني نايف الجهالين في قلق دائم يشبه الانتظار الصامت للعاصفة، فعلى أراضي رأس عين العوجا، آخر التجمعات البدوية المتبقية في المنطقة، انتقل مستوطنون إسرائيليون للإقامة على مقربة من خيام البدو، لتبدأ حياة جديدة عنوانها الخوف والترقب.
يقول الجهالين وهو ينظر إلى سفوح الجبال التي تحيط بتجمعه "كانت الحياة هنا بسيطة وجميلة، كنا نرعى مواشينا بسلام، لكن كل شيء تغيّر عندما بدأت البؤر الاستيطانية بالظهور قبل عامين فقط". بحسب وكالة فرانس برس.
تدريجياً، تحولت البؤر المؤقتة إلى منازل إسمنتية ثابتة، بعضها لا يبتعد أكثر من مئة متر عن مساكن البدو، وفي مايو الماضي، استولى المستوطنون الإسرائيليون على نبع رأس العوجا، المورد الوحيد للمياه في القرية، وحوّلوا مجراه بعيداً عن مضارب الرعاة، لتزداد معاناتهم في تأمين مياه الشرب وري الماشية.
يضيف الجهالين أن ما يثقل يومهم أكثر من فقدان الماء هو الخوف الليلي المستمر، فالمستوطنون، كما يقول، "يتجولون حول المنازل بعد حلول الظلام، يضيؤون مصابيحهم نحو الخيام ويصرخون لإرهاب الأطفال وكبار السن".
استدعاء الشرطة الإسرائيلية لا يجلب حلاً، فغالباً ما تصل متأخرة أو تكتفي بالمشاهدة، لذلك اجتمع الجهالين وعدد من سكان التجمع لتنظيم دوريات ليلية تطوعية لحماية عائلاتهم من المضايقات المتكررة.
"الهدف هو دفعك للرحيل"
منذ سنوات، يستخدم المستوطنون الإسرائيليون أسلوباً يعرف محلياً باسم "الاستعمار الرعوي"، إذ يجلبون قطعانهم إلى المراعي الفلسطينية، ما يثير نزاعات متكررة حول الأرض والماء.
يقول يونس عرا، من هيئة مقاومة الجدار والاستيطان التابعة للسلطة الفلسطينية، إن الحركات المؤيدة للاستيطان "بدأت باستقدام مستوطنين ومنحهم قطعاناً صغيرة للاستيلاء على مناطق محددة، ومن هناك يبدأ التوسع شيئاً فشيئاً حتى تتحول المراعي إلى بؤر استيطانية محصنة".
أما الجهالين فيرى أن هذا السلوك مقصود وممنهج. "الهدف واضح، يريدون أن نتعب ونرحل، عندما لا يقطعون الكهرباء يخربون قنوات المياه، أو يدخلون قطعانهم إلى حقولنا، يريدوننا أن نفقد الأمل"، يقول وهو يتفقد محيط خيمته حاملاً مصباحاً يدوياً.
حراسة ليلية ومقاومة
يرافقه أحياناً متطوعون أجانب وإسرائيليون من منظمة "النظر في عين الاحتلال"، يقضون الليل في الحراسة وتوثيق أي اعتداء. يقول أحدهم، ضابط إسرائيلي سابق يدعى دورون مينراث، "وجودنا هنا محاولة بسيطة لحماية المدنيين وردع العنف".
لكن التوتر يبقى قائماً. فالمستوطنون الذين وصلوا إلى المنطقة يستخدمون طرقاً جديدة تربط بؤرهم المستحدثة بالمستوطنات الكبرى، ما يعزز قبضتهم على الأراضي.
في التجمع ذاته، يجلس أبو طالب، راعٍ سبعيني، تحت شجرة أكاسيا يراقب أحفاده الثلاثة يلعبون بخوف، يقول بصوت مبحوح "كبرنا على هذه الأرض، كنا مكتفين بأنفسنا، نعيش من ماشيتنا ومائنا، لكن اليوم ندفع المال لشراء الماء الذي سرقوه منا".
ويضيف بأسى "عشت طفولة هادئة، أما أحفادي فيكبرون على الخوف، المستوطنون موجودون في كل مكان، حتى الأطفال لا يشعرون بالأمان في الطريق إلى المدرسة".
إقامة عشرات المستوطنات
تعد منطقة غور الأردن من أكثر مناطق الضفة الغربية استهدافاً بالاستيطان الإسرائيلي، فمنذ احتلال الضفة عام 1967، أقامت إسرائيل عشرات المستوطنات الزراعية والعسكرية في المنطقة، مستغلة خصوبتها وأهميتها الجغرافية على الحدود مع الأردن.
ويعيش في الضفة الغربية أكثر من نصف مليون مستوطن داخل أكثر من مئتي مستوطنة وبؤرة، في حين يبلغ عدد الفلسطينيين هناك نحو ثلاث ملايين نسمة، وتعد هذه المستوطنات غير قانونية وفق القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن، إذ تقوم على أراضٍ محتلة ينبغي أن تكون جزءاً من الدولة الفلسطينية المستقبلية.
وتشير منظمات حقوق الإنسان، المحلية والدولية، إلى تصاعد اعتداءات المستوطنين خلال السنوات الأخيرة، خاصة ضد التجمعات البدوية في المناطق المصنفة "ج"، حيث تفرض إسرائيل قيوداً على البناء والحركة، وغالباً ما تتم هذه الاعتداءات تحت حماية الجيش، في ظل إفلات شبه تام من المساءلة القانونية.