بسلاسل الإمداد.. كيف يسهم الذكاء الاصطناعي في كشف انتهاكات حقوق الإنسان؟

بسلاسل الإمداد.. كيف يسهم الذكاء الاصطناعي في كشف انتهاكات حقوق الإنسان؟
تحليل البيانات باستخدام الذكاء الاصطناعي

في عالم ترتبط فيه حقوق الإنسان بشكل وثيق بالسلع اليومية -من الهواتف الذكية إلى الملابس المزروعة في الحقول- باتت الشركات الكبرى تحت ضغط متزايد للكشف عن الانتهاكات المحتملة في سلاسل إنتاجها، فقد سلطت تقارير عن استخدام أطفال في الكوبالت في الكونغو لمصلحة شركات مثل Apple وTesla وGoogle، الضوء على مدى هشاشة أنظمة العناية الواجبة التقليدية.

تواجه الشركات الكبيرة صعوبة بالغة في تحديد مصدّر هذه المواد الخام وفق ما أوردته "رويترز في تقرير لها يوم الاثنين، وفي هذا السياق، يوفر الذكاء الاصطناعي أدوات تحول غموض سلاسل التوريد إلى خرائط دقيقة، تساعد على “الرؤية والتركيز والتصرف”، بحسب ما وصف بيتر شوارتز من شركة ألتانا.

القدرة على كشف ما لا يُرى

توفر أنظمة مثل Altana AIوIntegrityNextوFRDM.ai قدرة على رسم خريطة شاملة لسلسلة التوريد، بدءاً من المواد الخام وحتى المنتج النهائي، وتستخدم تقنيات مثل تعلم الآلة والمعالجة اللغوية لتحليل بيانات أوامر الشراء، ووثائق الشحن، وسجلات الموردين، وبالتالي الكشف عن روابط قد يشكّل التورط فيها خطرًا حقوقيًا.

تعتمد منصات مثل FRDM.ai على الذكاء الاصطناعي لتقييم مخاطر العمل الجبري أو استخدام الأطفال، من خلال دمج قواعد البيانات العامة وتقارير المنظمات غير الحكومية والقوائم الرسمية مثل قانون منع العمل الجبري للأويغور بالأمم المتحدة وتقوم تلقائيًا بتصنيف الموردين وفق ظروفهم الجغرافية والقطاعية وسجلات الانتهاكات السابقة.

وفق FRDM، يعمل الذكاء الاصطناعي على "كتم الضوضاء"، أي تجاهل البيانات غير المهمة، وتحديد ما يرتبط مباشرة بالمنتج أو المورد النهائي، كما يساعد في حساب التكلفة والفائدة المحتملة لاختيار مورد جديد.

النظام التنظيمي والتشريعي 

تزداد الضغوط القانونية على الشركات للكشف عن حقوق الإنسان في توريدها، حيث تطبق قوانين مثل:

قانون "دود-فرانك" الأمريكي (2010) حول معادن الصراع في الكونغو، والقانون الألماني للعناية الواجبة في سلسلة التوريد (LkSG) الصادر في 2021، وكذلك فكرة تشريع كوري جنوبي سيُفرض على شركات من 500 موظف فأكثر العناية بحقوق الإنسان والبيئة، بجانب التوجيهات الأوروبية والتوجيهات غير القانونية مثل مبادئ الأمم المتحدة للعمل التجاري وحقوق الإنسان وإرشادات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

الذكاء الاصطناعي يمكن أن يساعد الشركات على التوافق مع هذه المتطلبات القانونية بشكل أسرع وأعمق وقد استخدمت شركة  H\&M الذكاء الاصطناعي لتحليل آلاف من تقارير الموردين، وتحديد حالات العمل الجبري أو ظروف العمل غير الآمنة، كما توظّف شركة  Nestlé معالجة اللغة الطبيعية لمراجعة العقود وتقارير الموردين للكشف عن أي بنود مشكوك فيها مثل قصور في منع عمل الأطفال أو خفض الأجور دون إذن، فيما تعتمد شركة Unilever تقنيات تحليل الصور والأقمار الصناعية عبر خدمة Google Earth Engine للتأكد من خلو منتجاتها من إمدادات من مناطق تسبّبت في استغلال بيئي أو اجتماعي.

فازت شركة Altana بعقد مع إدارة الجمارك الأمريكية CBP لاستخدام خريطة توريد مدعومة بالذكاء الاصطناعي لمنع وصول منتجات يُشتبه بأنها منتجة باستخدام العمل الجبري.

غياب البيانات ومخاطر الخصوصية

حتى يقدّم الذكاء الاصطناعي تطوّرًا هائلًا، تبقى قدرته مرتبطة بتوفر البيانات الدقيقة، في دول مثل الكونغو أو مناطق الإنتاج النائية، قد لا تتوفر سجلات أو تقارير، ما يجعل الكشف شبه مستحيل.

تحذر منظمة Business & Human Rights Resource Centre من أن توظيف الذكاء الاصطناعي لمراقبة العمال قد يتحوّل إلى وسيلة للمراقبة المفرطة، ما يضعف حقوقهم الأساسية، إن لم يُراعَ التوازن بين الرقابة والخصوصية 

الذكاء الاصطناعي غير قادر على التفاعل المباشر مع العمال المتضررين، لذا تبقى الحاجة قائمة للاعتماد على مقابلات محلية ومناهج استقصائية، لضمان أن يعكس النظام صوت أولئك الذين تأثروا فعليًا.

الجمهور يطالب والشركات تستجيب

يزداد وعي المستهلك بممارسات حقوق الإنسان. وفق تقرير، تم احتجاز بضائع بقيمة أكثر من 3.1 مليار دولار منذ عام 2022 بموجب قانون منع العمل الجبري الأويغوري؛ وذلك نتيجة لتحقيقات تتعلق بالعناية الواجبة في سلسلة التوريد، فزيادة الضغط التنظيمي والمجتمعي جعلت الذكاء الاصطناعي أداة لا رفاهية.

منذ ظهور توصيات الأمم المتحدة ومبادئها التوجيهية لنشاط الأعمال وحقوق الإنسان، أصبحت العناية الواجبة معيارًا دوليًا لكن تطبيقه ظل هشًا ومتفاوتًا حتى القرن الحادي والعشرين.

ظهرت قوانين مثل قانون دود-فرانك لمعادن الصراع (2010) التي شكلت نقطة تحول، في العقود التالية، وتبنت دول أوروبا وألمانيا وكوريا ودول أخرى قوانين إلزامية أكثر صرامة، غير أن التنفيذ ظل شاقًا في ظل التعقيد الكبير لسلاسل التوريد متعددة المستويات، والتي تتخللها طبقات من الموردين غير المباشرين.

هنا يأتي الذكاء الاصطناعي مكملاً بشرياً قادراً على تحليل تريليونات النقاط من البيانات، وتحديد أنماط غير مرئية سابقًا، وإعطاء الأولوية للاستجابة، لكنه مجرد أداة، ومع الذكاء الاصطناعي أصبحت الشركات قادرة –لأول مرة– على رؤية وجوه العمال المخفيين في أدنى السلاسل، ومعرفة أين تنتهي السلعة. فيما يحذر خبراء من استخدام التكنولوجيا الجديدة لتجنب العقوبات دون إصلاح حقيقي، مؤكدين أن الذكاء الاصطناعي سيصبح أداة قمع مضادة، يرصد لكن ليس دائماً ينقذ.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية