من كابول إلى هانوفر.. بين الأمل والمنفى الأفغان في طريقهم إلى مستقبل غامض

من كابول إلى هانوفر.. بين الأمل والمنفى الأفغان في طريقهم إلى مستقبل غامض
مهاجرون أفغان- أرشيف

غادرت مجموعة جديدة من المواطنين الأفغان الأراضي الباكستانية متوجهة إلى ألمانيا، في رابع عملية نقل من هذا النوع منذ تولي الحكومة الألمانية الحالية مهامها.

ووفق ما أفادت به وكالة الأنباء الألمانية اليوم الثلاثاء، غادرت الرحلة التجارية مطار إسلام آباد مرورًا بإسطنبول، قبل أن تحط في مدينة هانوفر التي أصبحت بوابة استقبال رمزية للأفغان الباحثين عن الأمان في ألمانيا.

تأتي هذه العملية ضمن برنامج القبول الألماني المخصص للأفغان المعرضين للخطر، وهو مبادرة إنسانية استثنائية تستهدف الفئات التي تواجه تهديدات مباشرة منذ سيطرة حركة طالبان على السلطة في أغسطس 2021، ومنها الموظفون المحليون الذين عملوا مع مؤسسات ألمانية في كابول، والمدافعون عن حقوق الإنسان، والصحفيون، والنساء الناشطات في المجتمع المدني.

وجوه على طريق الأمل

في المطار، كانت لحظة المغادرة تحمل مزيجًا من الفرح والحنين والخوف، تحدثت مديرة مدرسة سابقة من كابول للوكالة الألمانية بارتياح واضح بعد انتظار دام أكثر من عام، قائلة إنها تأمل أن تحصل بناتها على تعليم جيد في ألمانيا، حيث يمكن للفتاة أن تحلم دون خوف.

في المقابل، عبّر صحفي أفغاني مسافر مع زوجته وابنه الصغير عن أمله في بناء حياة جديدة أكثر استقرارًا، لكنه لم يُخفِ حزنه لاضطراره إلى ترك جزء من عائلته خلفه في إسلام آباد، بانتظار الموافقات التي لم تصل بعد.

وراء هذه القصص الشخصية تختبئ مأساة إنسانية أوسع، إذ ما زالت آلاف العائلات عالقة في باكستان منذ شهور أو حتى سنوات في ظروف معيشية صعبة، تتأرجح بين البيروقراطية الألمانية والتعقيدات الأمنية والسياسية.

من كابول إلى الحدود

أعقبت سيطرة طالبان على أفغانستان موجة نزوح ضخمة، فرّ خلالها عشرات الآلاف إلى دول الجوار، خصوصًا باكستان، وتُقدّر الأمم المتحدة عدد اللاجئين الأفغان في باكستان بأكثر من 3.7 ملايين شخص، منهم قرابة مليون ونصف بدون وضع قانوني واضح.

تعاونت برلين مع إسلام آباد منذ عام 2021 لتسهيل خروج أولئك الذين تعاونوا مع المؤسسات الألمانية، ومع ذلك، فقد تراجع الزخم الإنساني مع تغير التحالفات السياسية في برلين، خاصة بعد تشكيل الحكومة الائتلافية الحالية بقيادة المحافظين.

الالتزام الإنساني وضغوط الداخل

تُعد برامج إعادة التوطين جزءًا من التزامات ألمانيا الأخلاقية بعد انسحابها من أفغانستان ضمن قوات حلف الناتو، إلا أن هذه الالتزامات واجهت عراقيل داخلية منذ منتصف عام 2024، حين قررت الحكومة تعليق برنامج إعادة التوطين الفيدرالي للأفغان المعرضين للخطر.

البرنامج الذي أطلقته حكومة المستشار أولاف شولتس السابقة، كان يهدف إلى استقبال نحو 1000 شخص شهريًا، لكنه توقف فعليًا في مايو 2024 بعد انتقادات من أحزاب اليمين التي اعتبرت أنه "يفتح الباب أمام موجات لجوء جديدة".

ورغم التعليق، فإن بعض الأفغان لا يزالون يتمكنون من دخول ألمانيا بعد رفع دعاوى قضائية أمام المحاكم الإدارية التي تؤكد حقهم في الحماية بموجب القانون الألماني والدولي، وهو ما يُظهر الدور المهم للقضاء في كبح القرارات السياسية المقيدة للجوء.

أرقام ودلالات

تُظهر بيانات وزارة الخارجية الألمانية أن نحو 1900 أفغاني ما زالوا في باكستان بانتظار استكمال إجراءاتهم رغم حصولهم على الموافقة الرسمية لإعادة التوطين.

ومنذ عام 2021، نُقل إلى ألمانيا أكثر من 36 ألف شخص من أفغانستان ودول العبور، منهم موظفون محليون سابقون وأسرهم.

لكن العدد الإجمالي للمستحقين المسجلين في قوائم الانتظار يتجاوز 10 آلاف شخص، وفق تقارير المنظمات الحقوقية الألمانية.

جدل حقوقي وسياسي

المنظمات الحقوقية الألمانية، مثل "برو أزول" (Pro Asyl) و"كاريتاس"، حذّرت مرارًا من أن تعليق البرنامج يعرّض حياة المتعاونين الأفغان للخطر الفوري.

وفي بيان مشترك صدر في يوليو الماضي، دعت هذه المنظمات الحكومة إلى "تحمّل مسؤوليتها الأخلاقية تجاه من خدموا ألمانيا في أفغانستان"، ووصفت سياسات التباطؤ بأنها "خذلان لمن صدّق وعود برلين بالأمان".

أما مفوضة الحكومة الفيدرالية لسياسات الهجرة واللجوء، ريزا هارتمان، فقد أكدت أن تعليق البرنامج لا يعني التخلي عن الالتزامات، وإنما "إعادة تقييم آليات التنفيذ"، مشيرة إلى أن الحكومة تسعى إلى إيجاد "حلول أكثر تنسيقًا" مع الاتحاد الأوروبي لتقاسم أعباء إعادة التوطين.

أبعاد قانونية وإنسانية

من منظور القانون الدولي، فإن ألمانيا -بوصفها دولة موقعة على اتفاقية جنيف للاجئين لعام 1951- ملزمة بحماية الأشخاص الذين يواجهون خطر الاضطهاد السياسي أو الديني أو القومي.

وتؤكد مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن أفغانستان لا تزال من الدول ذات “أعلى معدلات الخطر على الحقوق الأساسية”، خاصة ما يتعلق بحرية التعبير وحقوق النساء والتعليم.

كما حذرت الأمم المتحدة مرارًا من أن التأخير في عمليات الإجلاء يعرض النساء والناشطين والصحفيين الأفغان لمخاطر الاعتقال والتعذيب أو القتل، وأشارت تقاريرها لعام 2025 إلى أن أكثر من 60% من النساء اللواتي تقدمن بطلبات إعادة توطين ما زلن عالقات في دول العبور.

وفي شوارع العاصمة الباكستانية، يعيش كثير من الأفغان المنتظرين في ظروف غير مستقرة، وتتحدث تقارير المنظمات الإنسانية عن أوضاع صعبة في مساكن مؤقتة، مع محدودية فرص العمل وتزايد الضغط النفسي نتيجة طول الانتظار.

وفي ظل القيود الجديدة التي فرضتها الحكومة الباكستانية على اللاجئين غير المسجلين منذ منتصف 2024، تواجه آلاف العائلات خطر الترحيل القسري إلى أفغانستان، وهو ما اعتبرته منظمات حقوق الإنسان "انتهاكًا صارخًا لمبدأ عدم الإعادة القسرية" المنصوص عليه في القانون الدولي.

بين الذاكرة والمسؤولية

ألمانيا التي كانت لاعبًا رئيسيًا في المهمة الدولية بأفغانستان بين عامي 2001 و2021 تجد نفسها اليوم أمام مسؤولية أخلاقية مزدوجة: من جهة، الوفاء بالتزاماتها تجاه أولئك الذين خاطروا بحياتهم لخدمة بعثاتها، ومن جهة أخرى، مواجهة ضغط الرأي العام الداخلي القلق من تزايد أعداد اللاجئين.

ويرى مراقبون أن الموقف الألماني يعكس التحدي الأوسع الذي تواجهه أوروبا في تحقيق التوازن بين واجباتها الإنسانية والتزاماتها السياسية، في وقت تتصاعد فيه النزعات الشعبوية المناهضة للهجرة.

بين إسلام آباد وهانوفر، تمتد رحلة الأفغان الباحثين عن الأمان على خيط رفيع من الأمل والخوف، الرحلة ليست مجرد انتقال جغرافي، بل عبور رمزي من المجهول إلى الممكن، من الحرب إلى احتمالات الحياة.

وبينما تغادر الطائرات محمّلة بقصص النجاة، يبقى في الملاجئ الباكستانية من ينتظر صوته على قائمة الرحلات القادمة، مؤمنًا أن الحدود ليست نهاية، بل بداية متأخرة لحلم قديم اسمه الأمان.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية