الأمم المتحدة تحذّر من أزمة إنسانية رقمية تعمّق عزلة النساء الأفغانيات

الأمم المتحدة تحذّر من أزمة إنسانية رقمية تعمّق عزلة النساء الأفغانيات
نساء أفغانيات وعنصر من حركة طالبان- أرشيف

تشهد أفغانستان منذ أعوام تدهورا غير مسبوق في أوضاع النساء، إلا أن التحديات لم تعد تقتصر على القيود الميدانية المفروضة على التعليم والعمل والتنقّل، فقد امتد تأثير الأزمة إلى الفضاء الرقمي الذي كان يمثل للنساء نافذة للعلم والتدريب والوصول إلى الأسواق.

 ومع انطلاق حملة الستة عشر يوما لمكافحة العنف القائم على النوع الاجتماعي، كشفت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة أن واحدة من أخطر صور العنف اليوم ليست مرئية للعين، بل تتخذ شكل تهديدات رقمية وتحريض وتضييق عبر الإنترنت، ما أدى إلى تقييد وصول النساء الأفغانيات إلى التعليم والموارد وفرص العمل بصورة مقلقة وفق ما أوردته شبكة "أفغانستان إنترناشيونال" الثلاثاء.

الفجوة الرقمية تتحول إلى عزل ممنهج

تؤكد منظمة الفاو أن توفير بيئة رقمية آمنة أصبح شرطاً ضرورياً لتمكين النساء داخل قطاع الزراعة وسبل العيش، خاصة في بلد تشكل فيه المناطق الريفية النسبة الأكبر من خريطة السكان، ووفق تقديرات المنظمة، فإن نساء القرى يعتمدن بصورة متزايدة على الهواتف المحمولة وشبكات التواصل للوصول إلى المعرفة الزراعية الحديثة والأسواق وفرص التصدير، ومع ذلك، فإن العنف الرقمي المنتشر اليوم يحول هذا الفضاء إلى بيئة طاردة تلغي ما تبقى لهن من منافذ للتطور الذاتي.

وتوضح كبرا حسيني، خبيرة النوع الاجتماعي لدى الفاو في أفغانستان، أن العنف الرقمي لم يعد مجرد تهديد عابر، بل بات حاجزا معرقلا لمستقبل النساء والفتيات، فالمضايقات الإلكترونية، والتشهير، وتهديدات الابتزاز، كلها عوامل تدفع كثيرات إلى الانسحاب من العالم الرقمي بالكامل، وهو ما يعني خسارة الاتصال بالمدرسة الافتراضية، والأسواق الإلكترونية، وفرص التدريب والعمل التي لا تتوفر لهن في العالم الواقعي حاليا.

تجارب ميدانية تعكس حجم التحدي

بيناز يكتا، صاحبة شركة تعمل في مجال الفواكه المجففة في كابول، ترى يومياً انعكاسات هذه الأزمة على النساء الريفيات، فهي تعتمد على منصات الاتصال لجلب العاملات وتدريبهن وتسويق منتجاتهن، وتؤكد أن غياب الوصول الآمن إلى المعلومات الرقمية يحرم النساء من فرص حقيقية للتمكين الاقتصادي والاستقلال المالي، ومع ذلك، فإن عديدا من النساء اللائي ترغب بضمهن إلى سلسلة الإنتاج يمتنعن عن استخدام الإنترنت خشية التعرض لمراقبة أو تهديد أو إساءة.

يشكل هذا الانكماش ضربة موجعة لقطاع الزراعة المحلي الذي يعتمد بدرجة كبيرة على النساء، سواء في عمليات القطاف أو التصنيع أو التعبئة، ومع تراجع قدرتهن على المشاركة في الأنشطة الرقمية، يتراجع أيضا مستوى الإنتاج والتسويق، ما ينعكس سلبا على دخل الأسر الريفية التي كانت تعتمد على عمل النساء لسد احتياجاتها الأساسية.

أرقام تكشف حجم الهوة

الأمم المتحدة تحذّر من أن العنف الرقمي ضد النساء ارتفع بوتيرة متسارعة حول العالم، لكن الوضع في أفغانستان يبدو أكثر هشاشة بسبب غياب التشريعات والضمانات القانونية. وتشير بيانات البنك الدولي إلى أن نحو 40 في المئة من دول العالم لا تمتلك قوانين كافية لحماية النساء من المضايقات أو الملاحقة الإلكترونية، وتكشف الأرقام أيضا أن ما يقرب من 44 في المئة من النساء حول العالم، أي ما يعادل 1.8 مليار امرأة، لا يتمتعن بأي حماية قانونية رقمية فعالة تضمن لهن حقهن في الاستخدام الآمن للتكنولوجيا. 

هذه الفجوة القانونية تبدو أكثر خطورة في أفغانستان، حيث تلتقي العوامل الثقافية والاجتماعية والسياسية لتشكل بيئة مثالية لتقويض قدرة النساء على استخدام التكنولوجيا، ويؤدي هذا الغياب إلى تركهن بلا سند في مواجهة حملات التشهير، أو اختراق الخصوصية، أو التهديد، وهي ممارسات تتوسع داخل البلاد من دون رادع.

التعليم الرقمي في مواجهة الإغلاق

منذ عام 2021، أغلقت أمام النساء والفتيات أبواب التعليم النظامي في المراحل العليا داخل معظم مناطق البلاد. 

وقد لجأت كثيرات إلى القاعات الافتراضية والدورات عبر الإنترنت لتعويض هذا الغياب، لكن العنف الرقمي اليوم أغلق هذه النافذة أيضا، وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن كثيرا من الأسر تمنع بناتها من استخدام الإنترنت بسبب الخوف من الإساءة الإلكترونية، بينما تتردد أخريات في المشاركة خشية التعرض للتشهير الاجتماعي.

بهذا تصبح الفتاة الأفغانية محاصرة في عالمين، عالم واقعي يمنعها من التعليم ويقيد حركتها، وعالم رقمي كان من الممكن أن يفتح أمامها فرصا للتعلم واكتساب المهارات، لكنه أصبح هو الآخر مصدرا للتهديد. ومع ضيق المساحة الآمنة، تتقلص خيارات النساء الأفغانيات إلى حدود غير مسبوقة.

السوق الرقمي يفقد نصف قوته

تعتمد مشاريع نسائية كثيرة في أفغانستان على البيع عبر الإنترنت بعد تراجع إمكانية التسويق الميداني، خصوصا في المدن الكبيرة التي شهدت تغييرات اقتصادية واجتماعية واسعة، وكانت تطبيقات التجارة الإلكترونية في السنوات السابقة تمثل رافعة أساسية للنساء اللاتي بدأن أعمالا صغيرة في مجالات الغذاء والحرف اليدوية وصناعة الألبسة، إلا أن تصاعد العنف الرقمي جعل كثيرات يتوقفن عن التفاعل مع منصات البيع خوفا من التعرض للاختراق أو نشر معلومات شخصية أو طلبات تهديد قد تعرضهن للأذى.

وأوضح خبراء اقتصاديون أن استمرار هذا الوضع سيؤدي إلى خسارة كبيرة في الناتج المحلي المرتبط بالمشاريع المنزلية الصغيرة التي تمثل أحد أهم مصادر الدخل في الأسر الأفغانية، كما يحذرون من أن تعطل النشاط الرقمي للنساء سيؤدي إلى زيادة معدلات الفقر، وارتفاع اعتماد الأسر على المساعدات الإنسانية التي تعاني أصلا من تراجع التمويل الدولي.

مخاوف إنسانية تتفاقم

تحاول منظمات الأمم المتحدة إبقاء هذا الملف في دائرة الضوء الدولي، مؤكدة أن العنف الرقمي في أفغانستان ليس منفصلا عن الأزمة الإنسانية الشاملة التي تحيط بالنساء، فحرمانهن من التعليم والعمل والفضاء العام ترافق الآن مع حرمانهن من الفضاء الرقمي، وهي المرة الأولى التي تتعرض فيها النساء لمنع متعدد المستويات يمنعهن من أدوات الحياة كافة.

وتؤكد فرق الأمم المتحدة العاملة في البلاد أن هذا الوضع يدفع النساء إلى مزيد من العزلة، ويقوض قدرتهن على بناء مستقبل اقتصادي مستقر. كما يهدد أمانهن النفسي والاجتماعي، حيث ترتفع معدلات القلق والاكتئاب بين النساء اللواتي يشعرن بأن كل مساحات الحركة أغلقت أمامهن، سواء كانت على الأرض أو عبر الشاشة.

تُعد قضية العنف الرقمي ضد النساء واحدة من أسرع الأزمات نموا في العالم، لكن خطورتها تتضاعف داخل الدول التي تعاني من ضعف المؤسسات والأنظمة القانونية مثل أفغانستان، وقد أدى الانسحاب الدولي وتراجع التمويل الإنساني إلى جعل برامج التوعية الرقمية أقل انتشارا مما كانت عليه قبل عام 2021، بينما توقفت مبادرات تدريب النساء على الأمن الإلكتروني بسبب العقبات اللوجستية، وتشير تقارير دولية إلى أن الحد من العنف الرقمي يتطلب تشريعات واضحة، وحملات توعية واسعة، ودعم البنية التحتية للإنترنت الآمن، وفي الدول التي تعاني أزمات سياسية، يصبح غياب هذا الجهد مهددا لمستقبل جيل كامل من النساء اللائي يعتمدن على البيئة الرقمية كبديل عن القانون والتعليم والعمل.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية