بمشاركة دول عربية وأوروبية.. اجتماع وزاري غداً في باريس لمناقشة "اليوم التالي" بغزة
بمشاركة دول عربية وأوروبية.. اجتماع وزاري غداً في باريس لمناقشة "اليوم التالي" بغزة
يعقد وزراء خارجية عدد من الدول الأوروبية والعربية، غدا الخميس، اجتماعاً في العاصمة الفرنسية باريس لمناقشة ملامح “اليوم التالي” للحرب في قطاع غزة، في خطوة تهدف إلى تحديد آليات التزام دولي جماعي نحو تفعيل الدولة الفلسطينية وإرساء الاستقرار في المنطقة، وذلك عقب اعتراف عدد من الدول الغربية بدولة فلسطين في الأسابيع الماضية.
وأفادت مصادر دبلوماسية فرنسية لوكالة "فرانس برس"، بأن الاجتماع الذي يُعقد في مقر الخارجية الفرنسية، عند الساعة الخامسة مساء بالتوقيت المحلي، يهدف إلى بحث مستقبل الحكم في غزة، وآليات إعادة الإعمار، ونزع سلاح حركة حماس، ودعم السلطة الفلسطينية لتتولى إدارة شؤون القطاع في مرحلة انتقالية.
يأتي الاجتماع غداة لقاء جمع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بولي العهد الأردني الأمير حسين بن عبد الله في باريس، تناول تطورات الحرب والدور العربي في إعادة إعمار القطاع.
ويأتي الحدث في وقت تُجرى في مصر مباحثات غير مباشرة بين إسرائيل وحماس برعاية قطرية ومصرية، تهدف إلى التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار تمهيداً لتطبيق خطة أمريكية طرحها الرئيس دونالد ترامب لإنهاء الحرب التي تدخل عامها الثالث.
وأوضحت المصادر أن الوزراء المشاركين يسعون إلى إظهار دعمهم السياسي للخطة الأمريكية، وإلى تأكيد استعدادهم للمشاركة في تنفيذ بنودها، خاصة تلك المتعلقة بمرحلة ما بعد الحرب وإعادة ترتيب الأوضاع الأمنية والسياسية داخل القطاع.
مشاركة دولية واسعة
من المقرر أن يشارك في الاجتماع وزراء خارجية فرنسا والسعودية وألمانيا وإسبانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة، إلى جانب ممثلين عن مصر وقطر والإمارات والأردن وإندونيسيا وتركيا وكندا، في حين أبدت أنقرة اهتماماً خاصاً بالمشاركة في تشكيل بعثة استقرار دولية في غزة فور التوصل إلى وقف إطلاق النار.
وأكد مصدر دبلوماسي فرنسي أن الاجتماع "يركّز على تنسيق الجهود بين الأطراف العربية والغربية لتجنّب أي فراغ سياسي أو أمني بعد الحرب"، مضيفاً أن الهدف هو العمل بشكل منظم على ضمان الاستقرار وإعادة بناء المؤسسات الفلسطينية ضمن تصور سياسي واضح يفضي إلى حل الدولتين.
وبحسب المعلومات المتداولة، فإن خطة الرئيس الأمريكي التي أُعلن عنها في 29 سبتمبر الماضي تنص على وقف فوري لإطلاق النار، وإطلاق سراح الرهائن المحتجزين في غزة خلال 72 ساعة، يلي ذلك انسحاب تدريجي للقوات الإسرائيلية من القطاع ونزع سلاح حركة حماس، مقابل إشراف دولي على إعادة الإعمار وتأسيس إدارة مدنية فلسطينية مستقلة.
وقال مصدر دبلوماسي إيطالي إن "بلاده مستعدة للمشاركة في العملية السياسية لما بعد الحرب، عبر دعم خطة إعادة الإعمار وتوحيد الأراضي الفلسطينية"، مشيراً إلى أن روما تنظر إلى الخطة الأمريكية باعتبارها الخيار الواقعي الوحيد القابل للتطبيق في المدى القريب.
وأعربت الحكومة الإيطالية عن استعدادها لإرسال وحدات من قوات الكارابينييري ضمن قوة الاستقرار الدولية المزمع إنشاؤها، لتتولى تدريب عناصر الشرطة الفلسطينية الجديدة في كل من قطاع غزة والضفة الغربية، إضافة إلى المساهمة في إعادة تأهيل البنية الصحية والطبية في غزة التي تعاني دماراً واسعاً في منشآتها الحيوية.
مبادرة لإحياء حل الدولتين
ويُعدّ هذا الاجتماع امتداداً للمبادرة الفرنسية السعودية المشتركة الداعمة لحل الدولتين، والتي تمخض عنها إعلان نيويورك في سبتمبر الماضي حول الاعتراف بدولة فلسطين، وهو الإعلان الذي سهّل اعتماد الخطة الأمريكية من قبل عدد من الدول الغربية والعربية.
ويهدف الاجتماع أيضاً إلى توضيح آليات التنسيق مع الولايات المتحدة في ما يتعلق بتطبيق خطة “اليوم التالي”، من حيث بناء مؤسسات الحكم الانتقالي في غزة وإعادة تأهيل قوات الأمن الفلسطينية، وضمان استمرار تدفق المساعدات الإنسانية إلى السكان المدنيين الذين يعيشون أوضاعاً كارثية منذ أكثر من عامين من الحرب المستمرة.
ويرى مراقبون أن اجتماع باريس يشكّل اختباراً حقيقياً لإرادة المجتمع الدولي في الانتقال من إدارة الصراع إلى معالجة جذوره السياسية والإنسانية، خصوصاً في ظل استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية وتصاعد الأزمة الإنسانية في القطاع، حيث أعلنت الأمم المتحدة أن نحو 80% من سكان غزة يعانون من نقص حاد في الغذاء والمياه، بينما يُقدّر عدد الضحايا بأكثر من 67 ألف قتيل منذ بدء الحرب.
ورغم أن خطة ترامب تلقى دعماً أوروبياً وعربياً حذراً، فإن شروط تنفيذها على الأرض لا تزال موضع جدل واسع، خصوصاً في ظل رفض حماس نزع سلاحها دون ضمانات دولية حقيقية، وتخوّف السلطة الفلسطينية من تحمّل مسؤولية غزة دون التزام إسرائيلي واضح بإنهاء الاحتلال ووقف التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية.
خلاصة إنسانية
يؤكد محللون أن الحديث عن “اليوم التالي” في غزة لا يكتمل دون معالجة جذور المأساة الإنسانية التي تعصف بالقطاع منذ أكثر من 18 عاماً من الحصار والحروب المتتالية.
ويرى المحللون أن أي تسوية سياسية لن تنجح إلا إذا ارتكزت على العدالة والمساءلة وضمان كرامة الإنسان الفلسطيني، مشيرين إلى أن بناء السلام لا يكون فقط بوقف القتال، بل أيضاً بإعادة الأمل لملايين المدنيين الذين فقدوا بيوتهم وأحلامهم تحت الركام.