في اليوم العالمي لحقوق الإنسان.. نداء إنساني لإطلاق سراح المعتقلين السوريين بلبنان
في اليوم العالمي لحقوق الإنسان.. نداء إنساني لإطلاق سراح المعتقلين السوريين بلبنان
عاد ملف المعتقلين السوريين في لبنان إلى الواجهة من جديد في اليوم العالمي لحقوق الإنسان وسط موجة تجددت فيها النداءات الإنسانية والحقوقية للإفراج عن مئات السجناء الذين تقول منظمات حقوقية إنهم دفعوا ثمن مواقف سياسية معارضة للنظام الذي حكم سوريا لسنوات طويلة قبل سقوطه.
وعلى الرغم من انقضاء عام على المرحلة السياسية الجديدة في سوريا بعد انهيار النظام السابق، ما زال المعتقلون السوريون في السجون اللبنانية يواجهون مصيراً قاتماً لا يشبه سوى فصول من الظلم والنسيان.
وفق تقرير نشره المرصد السوري لحقوق الإنسان، اليوم الأربعاء، يتعرض السجناء السوريون في لبنان لأوضاع وصفت بأنها أقرب إلى العدمية، ويعود ذلك إلى الإهمال الطبي وغياب الدواء وتدهور الظروف الصحية خصوصاً لمن يعانون أمراضاً مزمنة أو أزمات صحية حادة.
ومع تكرار حالات الوفاة داخل السجون اللبنانية بسبب غياب الرعاية يتجدد الغضب الحقوقي والدولي. وتؤكد جهات حقوقية أن معتقلات لبنان تفتقر إلى المعايير الدولية الخاصة بصيانة كرامة السجناء وتوفير ظروف احتجاز إنسانية.
حقوق غائبة
يعيد الناشطون في هذه المناسبة التذكير بأن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مواده 9 و10 و11 يؤكد عدم جواز الاعتقال التعسفي وضرورة محاكمة عادلة أمام محكمة مستقلة وحيادية وضمان افتراض البراءة إلى حين ثبوت الإدانة وفق القانون، غير أن الواقع في لبنان وسوريا على حد سواء يظهر غياب هذه المبادئ تماماً بحسب تقارير حقوقية متعددة.
الصحفي مؤيد اسكيف الذي يواكب هذا الملف منذ سنوات يؤكد -وفقاً للمرصد السوري لحقوق الإنسان- أن العام الذي أعقب سقوط النظام السابق لم يشهد تقدماً حقيقياً في قضية معتقلي الرأي بسجون لبنان، ويشير إلى أن الوعود تكاثرت من الجانبين السوري واللبناني لكنها بقيت وعوداً خالية من أي إجراءات فعلية.
ويضيف أن طرفاً لبنانياً يقف خلف تعطيل الإفراج عن هؤلاء السجناء، ويذكر تحديداً وزير العدل اللبناني ومن خلفه حزب الله، معتبراً أن الطرفين لا يعكسان إدراكاً واضحاً للتغيرات السياسية في المنطقة.
تعب الأهالي وصمت رسمي
يشرح اسكيف حجم اليأس الذي أصاب أهالي المعتقلين الذين أنهكتهم الوعود والمماطلة ولم يجدوا حتى اللحظة أي بوادر جدية لفتح هذا الملف، ويؤكد أن غالبية هؤلاء السجناء ضحايا المنظومة القمعية التي حكمت سوريا لفترة طويلة وتعاونت مع قوى لبنانية لاتهامهم بالإرهاب وتلفيق التهم بحقهم.
ويشير إلى أنهم كانوا من الأصوات المدنية التي خرجت تطالب بالحرية ولم يكونوا طرفاً في أي أعمال عنف، ويعد الحل يكمن في الإفراج الفوري عنهم وإعادتهم إلى المناطق السورية المحررة ومحاكمتهم هناك إن كانت هناك اتهامات حقيقية وليس عبر القضاء العسكري التابع لحزب الله.
يتساءل اسكيف عن مستقبل هذا الملف في حال استمر الانسداد الراهن، مشيراً إلى أن سقوط النظام السابق في سوريا وإغلاق سجونه يجب أن يترافق مع إغلاق السجون التي تضم معتقلين سوريين في لبنان لأن اعتقالهم كان نتيجة مواقفهم المعارضة، ويرى أن ما تعرض له السجناء من تعذيب وإهمال طبي وجوع واستهداف ممنهج تجاوز حدود الوصف ولا بد من إيقافه بشكل فوري.
شهادة من داخل سجن رومية
كما يروي أحد المعتقلين في سجن رومية جانباً من معاناته فيقول إن الحياة داخل السجن تفتقد أبسط معايير الإنسانية. ويشير إلى أن المياه التي يوفرها السجن غير صالحة للشرب، ما يدفع السجناء إلى شراء مياه معبأة رغم ضيق الحال، ويؤكد أن الطعام غير كافٍ وأن المرض بالنسبة لهم طريق واحد نحو النهاية بسبب غياب أي رعاية طبية. ويوضح أنه يعيش مع زملائه في حالة انتظار دائم للموت ما يجعل الحياة اليومية أشبه بمعاناة مستمرة لا انفراج لها.
يقول السجين ذاته إن شعور اليأس أصبح جزءاً من حياتهم اليومية خصوصاً مع غياب أي خطة واضحة من الحكومة الانتقالية السورية التي لم تُبدِ اهتماماً كافياً بملفهم مع استمرار تعنت السلطات اللبنانية وتشبثها بإجراءات قضائية يعدها السجناء غير عادلة.
ومع حلول اليوم العالمي لحقوق الإنسان تتعالى الأصوات من جديد للمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين السوريين في لبنان وفتح الملف بشكل جدي وشفاف باعتباره أحد الاستحقاقات الأخلاقية والسياسية الضرورية لتحقيق العدالة للثورة السورية ومبادئها، ويرى المرصد السوري أن الحديث عن تحرير سوريا لا يكتمل من دون تحرير من دفعوا ثمن موقفهم السياسي داخل السجون اللبنانية.
وطالب المرصد السوري السلطات اللبنانية بوقف كل أشكال الممارسات ذات الطابع الانتقامي أو السياسي ضد المعتقلين السوريين وضمان حقوقهم في محاكمة عادلة وظروف احتجاز إنسانية، كما دعا إلى الإفراج عن جميع معتقلي الرأي ممن لا توجد بحقهم تهم قانونية مثبتة وإجراء محاسبة شفافة للمسؤولين عن الانتهاكات السابقة والحالية، وجدد المرصد مطالبته بتشكيل لجنة تحقيق مستقلة للنظر في الانتهاكات المسجلة داخل السجون اللبنانية، ومنها سجن رومية حيث وقعت حالات وفاة موثقة.
دعوة إلى تحرك دولي
يحمّل المرصد المجتمع الدولي مسؤولية الضغط على السلطات السورية الحالية وعلى الجهات المنفذة في لبنان لوضع حد للانتهاكات، كما يشدد على ضرورة تمكين المنظمات الدولية من زيارة السجون اللبنانية والتحدث مع السجناء بشكل مباشر لضمان الشفافية وإعادة الاعتبار لحقوق الإنسان التي تم تجاهلها طويلاً.
يؤكد المرصد أن لبنان طرف في اتفاقيات دولية تلزمه بحماية السجناء وضمان حقوقهم القانونية والإنسانية ما يجعل استمرار هذا الوضع أمراً منافياً للقانون الدولي. ويرى أن معاملة السجناء السوريين بهذه الصورة لا تتوافق مع مكانة لبنان القانونية ولا مع واجباته الأخلاقية.
بدأت قضية المعتقلين السوريين في لبنان بالتصاعد منذ السنوات الأولى للأزمة السورية حين شهد البلد موجات تهجير كبيرة ترافقت مع دخول معارضين للنظام السوري السابق إلى الأراضي اللبنانية، ومع تزايد النفوذ السياسي والعسكري لحزب الله ودخوله المباشر في الصراع السوري حدثت اعتقالات واسعة استهدفت سوريين بتهمة الإرهاب أو التعاون مع أطراف معارضة، وعلى مدى سنوات وثقت منظمات دولية حالات اختفاء قسري وتعذيب وإهمال طبي في بعض السجون اللبنانية.
ويعد سجن رومية من أبرز مواقع الاحتجاز التي شهدت انتهاكات متعددة أثارت قلقاً دولياً متكرراً، ورغم سقوط النظام السابق في سوريا وإعادة تشكيل هياكل الحكم، لم يطرأ أي تحسن يذكر على ملف المعتقلين السوريين في لبنان، وما زالت الإجراءات القضائية تسير ببطء شديد، في حين يواجه السجناء ظروفاً صعبة مع غياب الدعم السياسي والقانوني. وتعكس هذه القضية تداخلاً معقداً بين السياسة الإقليمية والملف الحقوقي إذ ترتبط مباشرة بالصراع السوري الداخلي والتحالفات اللبنانية الحزبية وهو ما يجعلها من أكثر الملفات تعقيداً في المشهدين السوري واللبناني.
اليوم العالمي لحقوق الإنسان
يوافق اليوم العالمي لحقوق الإنسان العاشر من ديسمبر من كل عام، وهو مناسبة تعتمدها الأمم المتحدة لإحياء ذكرى تبني الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948، ويُعد هذا اليوم فرصة لتسليط الضوء على القيم الأساسية التي تضمن كرامة الإنسان وحقه في الحرية والأمان والعدالة دون تمييز، كما يشكل مساحة لتقييم أوضاع الحقوق والحريات حول العالم ورصد الانتهاكات التي ما زالت مستمرة رغم مرور أكثر من سبعة عقود على صدور الإعلان.
ويهدف هذا اليوم إلى تذكير الحكومات والمجتمعات بواجباتها في حماية الإنسان من التعذيب والاعتقال التعسفي والتمييز والعنف، وإلى دعم جهود المنظمات الحقوقية التي تعمل من أجل بناء عالم أكثر إنصافاً واحتراماً للحقوق الأساسية.











