تبادل طالبي اللجوء بين بريطانيا وفرنسا.. تسوية أم صفقة على حساب حقوق الإنسان؟
تبادل طالبي اللجوء بين بريطانيا وفرنسا.. تسوية أم صفقة على حساب حقوق الإنسان؟
في خطوة وُصفت بأنها "ابتكار أوروبي لردع الهجرة غير الشرعية"، أعلنت وزارة الداخلية البريطانية رسميًا دخول الاتفاق الفرنسي–البريطاني الجديد حيّز التنفيذ اليوم الثلاثاء، وينص الاتفاق على تبادل طالبي اللجوء بين البلدين؛ حيث تستعيد فرنسا مهاجرين غير نظاميين وصلوا إلى بريطانيا، مقابل أن تستقبل لندن العدد نفسه من طالبي اللجوء الذين تقدموا بطلباتهم قانونيًا من فرنسا.
غير أن هذا الاتفاق يثير جدلًا واسعًا، ولا سيما في الأوساط الحقوقية والإنسانية، إذ يُنظر إليه على أنه تسوية سياسية مكلفة إنسانيًا، تُنذر بتقليص فرص الحماية للاجئين الفارين من مناطق النزاع أو الفقر المدقع، وتُشرعن "لعبة الأبواب الدوارة" على حساب معاناة البشر.
تبادل..أم إعادة قسرية مقنّعة؟
الاتفاق الجديد يتضمن عنصرًا مزدوجًا: إعادة المهاجرين غير النظاميين من بريطانيا إلى فرنسا، شريطة أن يكونوا قد وصلوا عبر القوارب الصغيرة، كما ينص على نقل طالبي لجوء من فرنسا إلى بريطانيا، بشرط تقدمهم عبر منصة إلكترونية خاصة، وأن يكونوا من الجنسيات المستهدفة من قبل شبكات التهريب.
وقد أُبرم الاتفاق خلال زيارة رسمية للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى لندن في يوليو، وعُدَّ بمثابة استراتيجية لردع تهريب البشر عبر بحر المانش (القناة الإنجليزية)، ورغم أنه مؤقت وينتهي في يونيو 2026، إلا أن آثاره القانونية والإنسانية قد تكون طويلة الأمد.
منذ بداية عام 2025، تجاوز عدد المهاجرين الوافدين إلى بريطانيا عبر القوارب الصغيرة 25,400 شخص، بحسب بيانات وزارة الداخلية. ومع تنامي الظاهرة، تواجه حكومة حزب العمال بقيادة كير ستارمر ضغوطًا سياسية وإعلامية لوقف “تدفق المهاجرين غير الشرعيين”، خاصة بعد فشل السياسات الردعية لحكومة المحافظين السابقة، ومنها خطة ترحيل طالبي اللجوء إلى رواندا التي أثارت جدلاً دوليًا واسعًا.
فحص أمني شامل
من أبرز شروط الاتفاق: إخضاع كل الواصلين الجدد لفحص أمني مزدوج على جانبي القناة الإنجليزية، وعدم قبول فرنسا سوى الأشخاص الذين رُفضت طلبات لجوئهم في بريطانيا، أو لم تُقبل من الأساس لاعتبار دخولهم غير قانوني، وفي المقابل، تقتصر المملكة المتحدة على استقبال طالبي لجوء تقدموا عبر منصة إلكترونية مُحددة مسبقًا.
هذا يعني أن الاتفاق يستبعد تلقائيًا من التبادل أولئك الذين فروا عبر البحر طلبًا للنجاة دون أن يسلكوا المسار البيروقراطي الطويل، والذين هم غالبًا الفئات الأكثر هشاشة.
وبحسب عدد من خبراء القانون الدولي، تثير الاتفاقية أسئلة بشأن شرعيتها القانونية من منظور اتفاقية جنيف لعام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين، التي تنص على أن لكل إنسان الحق في طلب اللجوء دون أن يُعاقب على دخوله غير القانوني إذا كان قادمًا من خطر حقيقي.
وترى منظمة العفو الدولية أن الاتفاق يكرّس منطق "اللجوء الانتقائي"، ويُشرعن إعادة طالبي اللجوء قبل البت في ملفاتهم، بما يشكّل خرقًا واضحًا لمبدأ عدم الإعادة القسرية.
من هم ضحايا الاتفاق؟
وفق بيانات الأمم المتحدة لعام 2024 فإن أكثر من 60٪ من طالبي اللجوء القادمين إلى بريطانيا عبر القوارب الصغيرة هم من جنسيات مثل السودان، أفغانستان، سوريا، إيران، وإريتريا، وأغلبهم من الأطفال والنساء والفئات المعرضة للإتجار، وأكثر من 3,000 شخص غرقوا في القناة الإنجليزية خلال الأعوام الثلاثة الماضية أثناء محاولات العبور.
تُظهر هذه الأرقام أن المهاجرين عبر القوارب ليسوا مجرد "باحثين عن فرصة اقتصادية"، بل كثير منهم فقدوا عائلاتهم، أو فرّوا من القصف، أو عاشوا في معسكرات احتجاز لسنوات قبل أن يركبوا القوارب المتهالكة.
وأشارت وزارة الداخلية البريطانية إلى أن المفوضية الأوروبية منحت الضوء الأخضر لهذا النهج المبتكر، فيما يشكّل تغيّرًا واضحًا في سياسة الاتحاد الأوروبي بشأن التعامل مع ملفات اللجوء، والذي طالما تبنّى خطابًا إنسانيًا في الظاهر.
المنظمات الحقوقية، ومنها "المجلس الأوروبي للاجئين والمنفيين"، عبّرت عن قلقها من تحوّل الاتفاق إلى "نموذج قابل للتكرار" في دول أوروبية أخرى، ما سيؤسس لنهج تقييدي جديد يعيد تشكيل معايير اللجوء في أوروبا.
الصفقة تحمي الحدود
تقول منظمة Refugee Action البريطانية: "الاتفاق ليس أكثر من غطاء قانوني لسياسات الإعادة القسرية. لا يوجد شيء إنساني في إرسال الناس من قارب إلى قارب."
أما هيومن رايتس ووتش، فقد اعتبرت الاتفاق "ترسيمًا مؤقتًا لنظام فصل عنصري في التعامل مع المهاجرين"، حيث يُقبل البعض ممن يمتلكون أدوات رقمية أو فرصًا قانونية، في حين يُعاد الآخرون إلى الخطر.
يبدو أن الهدف الحقيقي للاتفاق هو إرسال رسالة سياسية للداخل البريطاني والفرنسي مفادها: "نحن نحكم السيطرة"، غير أن الواقع يُشير إلى أن الأزمات الإنسانية لا تُحل بالاتفاقات الثنائية، بل بإصلاح جذري للمنظومة العالمية للجوء، وبمراعاة الجذور الاقتصادية والسياسية للهجرة القسرية.